يعيش سكان مدينة مكناس في الآونة الأخيرة ،معاناة كبيرة في العتور على مكان فارغ لدفن موتاهم .ذلك أن جميع المقابر وخاصة القديمة منها تعرف حالة اكتظاظ مهول ،ولم تعد بوسعها احتواء المزيد من الموتى ،مما جعل عملية الدفن في غالب الأحياء تتميز بنوع من الفوضى ،وحدوث تجاوزات خطيرة ،وصلت حد الفن في قبر فوق آخر ،حيث تفاجأ بعض العائلات باندثار قبور موتاها أ.وتغيير شاهد الميت ،بعدما دفن آخر في مكانه ،أو يضطر هؤلاء السكان إلى الدفن في الممرات الفارغة ،مما يتسبب في عرقلة الجانب الوظيفي للمقبرة من الزاوية الدينية والروحية ،واتلاف بعدها الجمالي إن كان أصلا.
وحسب رأي المتتبعين ،فإن ظاهرة الاكتظاظ باتت تؤرق بال سكان العاصمة الإسماعيلية ،الأمر الذي يضطر معه العديد منهم إلى اللجوء اضطراريا إلى مقابر تابعة لأحياء أخرى بعيدة ،تقاسمهم هموم استيطان موتاهم ،وهو الوضع القائم في مقبرة جماعة ويسلان ،وسيدي مسعود بالبرج ، عند استقبال موتى حي البساتين، الذي يبعد بحوالي 4 كيلومترات عن مراكز الفن هذه.وكذلك بالنسبة لمنطقة سيدي بوزكري ،التي هي الأخرى خرج سكانها في أكثر من مرة في وقفات احتجاجية ،للمطالبة بإحداث مقبرة بهذه المنطقة التي يبلغ عدد سكانها حوالي مئة ألف نسمة ،والذين ينتقلون في مسيرات جنائزية مراطونية ،كلما التحق أحد بالملكوت الأعلى لدفنه بمقبرة الزهوة أو بمقبرة تعاونية النعيجي طريق البريدية ،التي تم الاسيلاء على جزء كبير منها موضوع الرسم العقاري 972ك وإخضاعه لمنطق “الحي أحق من الميت “.ناهيك عن أن جل مقابر المدينة غصت عن آخرها ،مثل مقبرة الشيخ الكامل ،وسيدي بابا ،ومولاي مليانة ،وسيدي عياد بحي الزيتون ،حيث أصبح من النادر أوالمستحيل العثور على موطئ جثة بهذه المقابر الجماعية .
إن أزمة المجال القبوري بمكناس مستفحلة ،وتعود إلى عشرات السنين خلت ،ويتم تنويم وإسكات المحتجين بالمماطلة والتسويف من طرف الجهات المسؤولة ،غير آبهة بوجوب تدارك البلاء قبل وقوعه .وهو ما يضع المجلس البلدي أمام جدية البحث عن مواقع للدفن لتلبية حاجيات الموتى قبل الأحياء .
وترى بعض الأسر، أنه من العيب عدم توفير مراقد تستوعب الراحلين الجدد ،لذلك أجمعوا على أن لا خير في مجلس جماعي لا يهتم بموتى المسلمين ،في حين يحضر أعضاؤه جميع الجنائز رغبة في استمالة الأصوات الانتخابية على ظهر الأموات.
وكان المجلس الجماعي تدارس في العديد من الدورات السابقة ،مسألة إحداث مقبرة ،وخاصة بحي سيدي بوزكري ،والبساتين ،تمكن من إدراك الخصاص المستفحل ،وتوفير القبور لأهل الحضرة الإسماعيلية ،لكن يبدو بحسب المتتبعين أن “كلام الدورة يمحوه الليل “،ويبقى المجلس الجماعي لمكناس لاعلم له بعلم المقبريات الإسلامية ،وبمفهوم المجال الحضري، الذي لا يتماشى مع التطور العمراني المتسارع ،وتبقى مقاربة القرب غائبة في تدبير شأن الأموات .
وموازاة مع ذلك تفتقر العديد من المقابر الجماعية بمكناس إلى العناية اللازمة لإبراز مكانتها الإسلامية ،والتي تجعل الغيورين على هذه المقابر يتساءلون عن الإجراءات المزمع اتخادها ،لإصلاح وضعية المقابر التي تعاني الإهمال التام ،من حيث انعدام النظافة ،وغياب الممرات ،ونمو الأعشاب العشوائية ،إضافة إلى أنها أضحت مرتعا للمشردين والمنحرفين .وارتيادها للترحم بالنسبة للنساء أصبح مفعما بالمخاطر ،بعيدا عن الخشوع والصفاء الروحي .لذلك فالسكان لا يخفون استياءهم من هذه الحالة المزرية ،فهم يحملون المجلس الجماعي والسلطات الدينية كامل المسؤولية ،ويحيلونهم على مذكرة وزارة الداخلية الصادرة بتاريخ 29 ماي 2000 بمقتضى دورية عدد 159 سنة 1989،حول حت الجماعات الترابية على إعطاء الأولوية للمقابر والمحافظة عليها والعناية بها وصيانتها.