المطلوب تحسين الجودة وتخليق الحياة الإدارية والعلاقة الإنسانية
يرى المواطن المكناسي اليوم أن الخدمات الإدارية بالبلدية وبالمقاطعات بالجماعة الترابية بمدينة مكناس، مطبوعة بالكثير من النواقص والسلبيات في تعاملها مع المواطنين ، وليس هذا انطباعا فقط ،ولكنه حقيقة مرة ، يلمسها العديد من المواطنين والمواطنات ،الذين يتوافدون على هذه المرافق الإدارية العمومية ، ولا يقضون مآربهم إلا بعد جهد جهيد أو بتدخل جهة ما ،والأمثلة لا تحصى يقول أحد المرتفقين .
وحجتهم في ذلك تعود إلى الاستقبال غير اللائق الذي يصطدم به كل متعامل مع بعض المصالح الإدارية ، ( لا سبيل لذكرها لضيق المجال )، ،وعدم الرغبة في التعامل والتعاون وأداء الخدمة المطلوبة ، فحتى حسن الاستقبال والابتسامة في وجه الوافد/ة تبقى غائبة لدى أغلب الموظفين ،غير أن مسألة حسن الاستقبال يقول أحد المواطنين ،إذا كانت لها أهميتها ،فإنها مع ذلك ليست إلا جزء أو جانبا واحدا فيما يهم علاقة المواطن بهذه الإدارة العمومية وبالمسؤولين عليها .
لذلك فالمواطن لا ينتظر من الموظف حسن الاستقبال والبشاشة والإرشاد والتوجيه فقط ، بل يريد منه خدمة جيدة تمكنه من قضاء مصالحه دون تعقيدات أو التفنن في “عملية سير واجي ” التي يكرهها المواطن ،الذي يكون واثقا من أن الخدمة المطلوبة لا تتطلب إلا بضع دقائق ، مما تتولد لديه بعض الشكوك والنوايا السيئة تجاه الموظف ،ويضعه موضع الشبهة وعدم الاحترام ،قد تعرضه لمعاملة أو تصرف غير لائق من طرف المرتفق، الذي تكونت لديه قناعة مسبقة عن عدم قضاء مآربه كما يرضاها ، والتي هي حق من حقوقه الدستورية ،بل أكثر من هذا ، فإن المواطن يجد نفسه أمام موظف أو مسؤول مصاب بالملل والإحباط ، لا يعير أي اهتمام للوافد “يعلم الله ظروفه “الذي يقف أمامه صاغرا ذلولا يستجدي تقديم خدمة ما ،وتحت وابل من الاستعطافات وخلق الأعذار لإقناع الموظف بحاجته الماسة لهذه الخدمة.
إذا كانت مثل هذه الحالات الكئيبة التي يُقابل بها المواطن ،لها أبعاد وخلفيات يمكن أن تناقش وتحل ف على أكثر من مستوى كمسألة الظروف المادية والنفسية والحالة الاجتماعية للموظف ،إنها فعلا مشاكل تؤثر بشكل وبآخر على نفسيته ، فلا يمكن إسقاطها على المواطن ،كما لا يمكن توفير لكل موظف طبيبا نفسانيا يعالجه ليحل أزماته الذاتية ومشاكله الواعية ،التي تقبع في اللاوعي بالمسؤولية ،وحالات عدم الرضى والمعاملة غير اللائقة التي يواجهها الوافدون كلما اتجهوا للمرفق العمومي لقضاء مآربهم الإدارية ،أو طلب وثيقة هم في حاجة إليها وهي حق من حقوقهم.
وفي سائر الأحوال يبقى الموظف هو المسؤول وصلة وصل بين الناس ومآربهم الإدارية ، لكن إذا كانت هذه الصلة غير طبيعية تشوبها المزاجية ،سيبقى المواطن دائم الشكوى من فظاظة المعاملة ، وتتولد لديه فكرة عدم كفاءة الموظف واستغلال النفوذ والزبونية والمحسوبية وما إلى ذلك من الأوصاف المنحطة المختارة.
والواقع أن المواطن المكناسي ، يمكن أن يتحمل كثيرا من الأعباء لكن يرفض الضيم والظلم الإداري ،ويرفض أن تُهان كرامته من أجل طلب وثيقه من حقه.
غير أن هؤلاء الموظفين ومهما اجتهدوا للقيام بالمطلوب منهم ، فإنه لا يمكن أن يعالج كل الأمراض التي تستبد بالإدارة العمومية ،لأن تحسين الخدمات الإدارية ينبغي كما يقول أحد الموظفين ، يجب أن يكون شاملا وجذريا لاجتثاث كل مظاهر هذه الأمراض المتفشية ، بدء من تطهير عملية إسناد بعض المرافق بالمحسوبية والزبونية والحزبية إلى أشخاص تنقصهم الكفاءة المهنية ،وترشيد عمل الإدارة بما يضمن المردودية والنجاعة ،ويحد من التبذير والعشوائية ،وأن ترصد كل الإمكانات والطاقات لإعطاء أعلى جودة في الخدمات ،ليس على المستوى الإداري فحسب ، بل الاجتماعي والإنساني والأخلاقي .
من هذا المنطلق فالأمر يحتاج إلى إصلاح وتكوين وتأطير إداري شامل ، يضمن حقوق المواطنين ، حتى تعيد الإدارة هيبتها وتكرس قواعد الشفافية والديمقراطية وتخليق الحياة الإدارية ،وتعزيز كفاءة الموارد البشرية بهدف تحقيق النجاعة الإدارية في الاستجابة لمتطلبات المرتفقين وإضفاء صفة المواطنة الحقة على الإدارة .