الهيمنة التقليدية لفرنسا على مستوى البلدان المغاربية تتجه نحو التراجع لفائدة الصين
يفيد تقرير معهد مونتاني للبحوث والدراسات،صادر خلال شهر ماي 2021 تحت عنوان ” ” أن المغرب يقع في قلب المصالح الإقليمية والدولية. ويرجع ذلك إلى دوره كمنصة تجارية ومالية مهمة، و باعتباره اقتصادا منفتحا على التجارة، ومندمجا في التدفقات الاقتصادية الرئيسية والمعاملات المالية، بالإضافة إلى أنه بلد يسمح بالتبادل مع أوروبا وأفريقيا.
ويسشر التقرير إلى أن البلدان المغاربية الثلاثة تمثل موضوع مصالح متباينة من جانب الفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسيين ، اعتمادًا على المصلحة الاستراتيجية وتحديد مواقع هذه الاقتصادات المختلفة في عولمة التجارة وسلاسل الإنتاج، وهو الوضع الذي تتراجع فيه، بشكل تدريجي، مكانة أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.
ويفيد التقرير المذكور أن التدفق السنوي للاستثمار الأجنبي المباشر نحو المغرب بلغ 46.1 مليار درهم برسم سنة 2018، أي ما يعادل 5.17 مليار دولار، و 33.9 مليار درهم برسم 2019 أي ما يعادل 3.8 مليار دولار ، وأنه منذ سنة 2012 ، تجاوزت التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر إلى المغرب على الدوام 3 ملايير دولار. ووصل رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 66 مليار دولار في سنة 2019 بنسبة 30٪، أي أكثر مما كانت عليه في سنة 2010. ولا تزال بلدان جنوب أوروبا المساهمة الرئيسة في الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب، ولا سيما فرنسا التي بلغت حصتها 35٪ في سنة 2019 .
وبالنسبة للمساعدات الموجهة للتنمية، يذكر التقرير أن الدول الأوروبية لا تزال المصدر الرئيسي للتدفقات العامة الثنائية. فمن أصل 24.7 مليار دولار كصافي التدفقات التي استفاد منها المغرب بين سنتي 2018 و 2017 ، بلغت حصة فرنسا 4.39 مليار دولار أي ما يعادل أي 18٪ من إجمالي التدفقات الوافدة، وبلغت حصة ألمانيا 2 مليار دولار أي ما يعادل 8٪ من المجموع ، غلى جانب ذلك هناك تدفقات مالية من بلدان غير أوروبية كالإمارات العربية المتحدة التي تمثل مصدراً ديناميكياً ومتزايداً للتدفقات المالية ، بلغت حصة أبو ظبي 1.5 مليار دولار من التدفقات الداخلة خلال الفترة المذكورة، منها 439 مليون دولار فقط سنة 2017 ، حيث تمثل حصة الإمارات العربية المتحدة 17٪ من إجمالي التدفقات العامة الواردة خلال هذه السنة وحدها . كما يأتي نصف المساعدة الإنمائية الرسمية من مانحين متعددي الأطراف، أي ما يعادل 12.8 مليار دولار خلال الفترة ، بنسبة 52٪ من الإجمالي. في حين بلغت مساهمة مؤسسات الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 4.2 مليار دولار خلال العقد الماضي.
ويبرز التقرير تدفقات التجارة والاستثمار في المغرب لاتزال مهمة مع شركائه التقليديين في أوروبا، لكنها تعرف بعض التباطؤ، حيث تتجه الصادرات المغربية بشكل أساسي إلى إسبانيا بنسبة 24٪ من إجمالي التدفقات في سنة 2019 ثم إلى فرنسا بنسبة 21٪ من الصادرات وبعدها إيطاليا بنسبة 5٪، وظلت الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة منخفضة، حيث لم تتجاوز 4٪ ، مقابل 3٪ برسم 2009 .
ويظهر أن الصادرات المغربة نحو القوى الأخرى (روسيا والصين وتركيا) تظل منخفضة ولا تتجاوز 2٪ من إجمالي تدفقات الصادرات. ويبقى توزيع الواردات المتدفقة على المغرب أكثر توازنا بين الشركاءالتقليديين والقوى الناشئة، حيث بلغت حصة إسبانيا من الواردات المغربية 15٪ من إجمالي الواردات في عام 2019 ، مقابل 12٪ بالنسبة لفرنسا، و 10٪ للصين، و 8٪ للولايات المتحدة الأمريكية ، و5٪ لتركيا مقارنة بـ 2٪ فقط برسم سنة 2009 ، و 3٪ لروسيا و2٪ للمملكة العربية السعودية .
ويفيد التقرير أن التقارب الأخير بين المغرب و الولايات المتحدة من خلال تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين مملكة دولة إسرائيل والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء من قبل الولايات المتحدة، ليس من المستحيل أن تكون هذه الأخيرة قد تعهدت بتقديم دعم مالي كجزء من الاتفاقية الثلاثية التي تمت في نهاية ولاية الرئي دونالد ترامب ، كما أن عدم التشكيك في هذه الاتفاقية من قبل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن من شأنها تعزيز دعم الولايات المتحدة للمغرب.
ويوضح التقرير أن الهيمنة التقليدية لفرنسا على مستوى البلدان المغاربية، تتجه نحو التراجع لفائدة الصين، خاصة بالنسبة للمغرب الذي يمثل مصالح كثيرة . وفي هذا الإطار لوحظ الاهتمام المتزايد للصين بالمغرب، حيث تصدر له الصين الكثير من السلع والمعدات المصنعة. يتجلى وجودها بشكل رئيسي في أسواق السلع الاستهلاكية، وليس من خلال الاستثمارات الإنتاجية. وخلال الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كورونا، لعبت الصين “دبلوماسية اللقاح” مع المغرب، حيث أجرت معه أولى التجارب السريرية ، وأفضى ذلك إلى تأسيس تعاون صيني مغربي لتصنيع جرعات اللقاح بإحداث مصنع صيني في شمال المملكة .
وقد تعزز النشاط الصيني في المغرب بالاستفادة من عقود ومناقصات تهم البنيات التحتية، حيث تبقى احتياجات المغرب الاستثمارية الحالية والمستقبلية عديدة، وإلى جانب البنيات التحتية، هناك قطاعات الصحة والتعليم والتحول الطاقي الذي يشكل موضوع عروض دولية، حيث تسعى الصين إلى تعزيز تموقعها.
ويوضح التقرير أنه حتى لو لم يكن الوضع في المغرب حرجًا للحصول على التمويل ، فإن التردد من قبل أوروبا أو من جانب الأطراف المتعددة، يمكن أن يوفر فرصًا مهمة بالنسبة للصين التي يمكن أن تمول خطة استثمارية كبيرة بالمغرب، تسمح للمقاولات الصينية بتحقيق تموقع مستدام داخل المملكة المغربية.
الرباط : عبدالفتاح الصادقي