نظم مرصد الصحافة والإعلام بمدينة إفران، زوال يوم السبت 27 شتنبر الجاري، يوما دراسيا متميزا بشراكة مع المجلس الإقليمي والجماعة الترابية لإفران، وبتعاون مع المجلس الإقليمي للسياحة، ومديرية المنتزه الوطني، وجمعية المرشدين السياحيين بالإقليم، إلى جانب عدد من المهنيين والفاعلين المهتمين بقطاع السياحة البيئية والجبلية. وقد جرى اللقاء تحت شعار: “السياحة البيئية والجبلية رافعة للتنمية الترابية والمجالية المندمجة”.
في مستهل هذا اليوم الدراسي، قدّم رئيس المرصد الإعلامي، مدير نشر موقع “فلاش 24”، الأستاذ محمد الخولاني عرضا متميزا توقف فيه عند المقومات الطبيعية التي تزخر بها مدينة إفران، التي تُعرف بلقب “سويسرا المغرب” بفضل تنوع مناظرها الخلابة ومؤهلاتها البيئية الفريدة. وأكد على أهمية صون هذه الثروات الطبيعية وتثمينها عبر سياسات مندمجة تعزز التنمية المحلية وتدعم مكانة السياحة البيئية والجبلية كقطاع واعد.
كما دعا المتحدث مختلف المصالح المسؤولة والوزارة الوصية إلى ضرورة إيلاء مزيد من العناية بقطاع السياحة، وتطوير بنياته التحتية، والرفع من مستوى الخدمات المقدمة للزوار، بما يجعل من إفران وجهة سياحية مستدامة تستقطب السياح المحليين والأجانب على حد سواء.

ومن جانبه، شدّد رئيس المجلس الإقليمي للسياحة في كلمة ألقاها بالمناسبة، على أن السياحة البيئية والجبلية تمثل اليوم ركيزة أساسية ينبغي الاستثمار فيها لجعلها رافعة حقيقية للتنمية الترابية والمجالية المندمجة. وأبرز أن إفران والإقليم ككل يتوفران على مؤهلات طبيعية وبيئية غنية، تستحق أن تتحول إلى مشاريع مدرّة للدخل ومولدة لفرص الشغل، إذا ما تم استغلالها بشكل عقلاني يحترم التوازن البيئي ويخدم المصلحة العامة.
بعد ذلك، أتحف الشاعر الأمازيغي والباحث الأستاذ حسن السدادي الحضور بوصلة شعرية راقية ألقاها باللغتين الأمازيغية والفرنسية، حظيت بإعجاب واستحسان واسع من طرف المشاركين. وقد رسم الشاعر في منظومته صورة بليغة للغابة وهي تتوسل إلى الإنسان كي يحافظ عليها ويصون خيراتها، مستحضرا رمزية الطبيعة كفضاء للحياة والعطاء، ومبرزا في الآن ذاته مجالات الإبداع والجمال الكامنة في علاقة الإنسان ببيئته.
وفي شهادة مؤثرة، قدّم السيد محمد الكريمي، صاحب الضيعة السياحية “La Forestière” بتمحضيت، رؤية استشرافية حول مستقبل السياحة البيئية بالمغرب، مبرزاً أن البلاد تتوفر على منظومة سياحية متكاملة من المؤهلات الطبيعية والثقافية والتراثية، قادرة على جعلها وجهة مفضلة للسياحة المستدامة. وأكد أن الاستثمار في هذا المجال يفتح آفاقاً واسعة لتثمين الموارد المحلية، ويعزز مكانة المغرب كوجهة رائدة في السياحة البيئية والجبلية على الصعيدين الوطني والدولي.

أما عرض الباحث في التنمية المستدامة، الأستاذ حسن أباء، فقد جاء تحليلياً مدعماً بالأمثلة والدلائل، حيث تناول واقع السياحة المستدامة بإقليم إفران، متوقفاً عند ما يواجهه القطاع من إكراهات مرتبطة بالبنيات التحتية وضعف الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، إضافة إلى التحديات البيئية التي تفرض ضرورة تبني مقاربات جديدة أكثر نجاعة. كما استعرض آفاق تطوير السياحة المستدامة بالمنطقة، مؤكداً أن الاستثمار في تكوين الموارد البشرية، وتعزيز الوعي البيئي، واعتماد مشاريع مبتكرة، كلها عوامل كفيلة بتحويل إفران إلى نموذج وطني رائد في السياحة البيئية والجبلية.
وفي مداخلة ثرية أخرى، أظهر السيد الطاهر الحريزي، رئيس الجمعية المغربية للتنمية السياحية المستدامة، حرقته على المجال البيئي، موضحاً المظاهر السلبية التي تسيء إلى السياحة البيئية، مثل التلوث، الرعي الجائر، وتوسع البنية التحتية بشكل غير منسجم مع البيئة. كما لفت إلى أن بعض القوانين والإجراءات الإدارية تُشكل ضغطاً على المستثمر الصغير، مما قد يحد من قدرته على تطوير مشاريع سياحية مستدامة ويؤثر على مردوديته. ودعا إلى مراجعة هذه السياسات بما يوازن بين حماية البيئة وتشجيع المبادرات الصغيرة التي يمكن أن تسهم في التنمية المحلية المستدامة.

وأشار السيد حسن أشيبان إلى أهمية التراث المادي كعامل جوهري لتطوير السياحة في إقليم إفران، مبرزاً دور التنوع الجغرافي للمنطقة في إثراء العرض السياحي، وموضحاً أن المحافظة على الموروث الثقافي والمباني التاريخية تساهم في خلق تجربة سياحية متكاملة تعزز الجذب السياحي وتحافظ على الهوية المحلية.
وقد تخلل اللقاء نقاش موسع بين المشاركين، تم خلاله تبادل الرؤى حول التحديات والفرص المرتبطة بتطوير السياحة البيئية والجبلية بإفران، مع التأكيد على أهمية الاستثمار في التكوين وتطوير قدرات المرشدين السياحيين والفاعلين المحليين، بما يضمن إرساء نموذج سياحي مستدام يوازن بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية.
توصيات اليوم الدراسي وآفاق المستقبل السياحي بإقليم إفران
اختتم اليوم الدراسي بتقديم مجموعة من التوصيات العملية والرؤية المستقبلية لتعزيز السياحة البيئية والجبلية بالإقليم، والتي يمكن تلخيصها في المحاور التالية:
- حماية البيئة وتعزيز السياحة المستدامة: تبني سياسات تحافظ على الغابات والمجالات الطبيعية، والحد من المظاهر السلبية مثل التلوث والرعي الجائر والتوسع العمراني غير المنظم.
- تثمين التراث المادي والثقافي: صيانة البنية التحتية والموروث الثقافي وربطها بالعرض السياحي البيئي لتعزيز تجربة الزائر والحفاظ على الهوية المحلية.
- تشجيع الاستثمار المحلي ودعم المستثمر الصغير: مراجعة القوانين والإجراءات الإدارية التي تشكل عبئاً على المشاريع الصغيرة، ووضع آليات تسهيلية لتطوير مشاريع سياحية مستدامة.
- تطوير الكفاءات والموارد البشرية: الاستثمار في تكوين المرشدين السياحيين والمهنيين المحليين، ونشر ثقافة السياحة المستدامة بين جميع الأطراف المعنية لضمان جودة الخدمات.
- الابتكار وربط السياحة بالتنمية المجالية: اعتماد مشاريع مبتكرة تربط بين الطبيعة، التراث، والثقافة المحلية، بما يساهم في خلق فرص شغل ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالإقليم.
- تعزيز الشراكات والتنسيق بين الفاعلين: إشراك جميع الأطراف، من سلطات محلية وجماعات ترابية وفاعلين اقتصاديين ومجتمع مدني، لتطوير رؤية مشتركة واضحة لمستقبل السياحة البيئية والجبلية.
وتتطلع التوصيات إلى جعل إقليم إفران نموذجاً وطنياً للسياحة البيئية والجبلية، قادرة على الجمع بين حماية البيئة، الحفاظ على التراث، ودعم التنمية المستدامة، بما يضع المنطقة في مصاف الوجهات السياحية المستدامة بالمغرب على المدى المتوسط والطويل.









