في عالمٍ تتسارع فيه الخطى وتزداد فيه الصراعات اليومية، نكاد ننسى أن أبسط ما يجعلنا بشراً هو قدرتنا على منح الحنان، والإحساس بالآخرين بصدقٍ خالٍ من المصلحة أو الادعاء. ومع ذلك، يبقى الحنان الصادق حياً في القلوب النقية، لا يموت مهما مرّ الزمن، بل يعود أحياناً في لحظات غير متوقعة ليصنع معجزة إنسانية تذكّرنا بجوهرنا الحقيقي.
الحنان الصادق ليس موقفاً عابراً ولا كلمة لطيفة تُقال في لحظة شفقة، بل هو إحساس عميق يولد من الإيمان بأن لكل إنسان قيمة تستحق الاحترام والرعاية. قد يكون في نظرة أمٍّ تحتضن ابنها المريض، أو في ابتسامة ممرضةٍ تشجع مريضاً على الصبر، أو في يدٍ تمتدّ لتواسي دون أن تطلب مقابلاً.
كم من مرةٍ مرّ في حياتنا أشخاص تركوا أثراً لا يُمحى، ليس لأنهم كانوا أغنياء أو ذوي نفوذ، بل لأنهم امتلكوا قلباً يعرف كيف يمنح الدفء حين يبرد كل شيء. هؤلاء لا يغيبون حقاً، بل تبقى ملامحهم محفورة في الذاكرة، كأنهم ضوء صغير يطلّ كلما خيّم الظلام.
والجميل أن هذا الحنان يعود، في كثير من الأحيان، بأشكالٍ لم نتوقعها. قد يترجمه شخصٌ ساعدناه في الماضي بموقفٍ يعيد إلينا الإيمان بالخير، أو يأتينا من غريبٍ رأى فينا ما لم نره نحن بأنفسنا. إنها دورة إنسانية لا تنكسر، أساسها النية الطيبة، وروح المحبة التي لا تعرف الزمان ولا المكان.
في زمنٍ يزداد فيه الجفاء، يظل الحنان الصادق هو الملاذ الأخير لإنقاذ إنسانيتنا. إنه اللغة التي يفهمها الجميع دون ترجمة، والجسر الذي يربط بين القلوب مهما تباعدت.
فمهما تغيّر العالم وتبدّلت الوجوه، سيبقى هناك دوماً من يمنحنا لمسة صادقة تُعيد إلى الحياة معناها الحقيقي، وتذكّرنا بأن الحنان الصادق لا يموت، بل يزهر كل مرةٍ في قلبٍ جديد.
فلنمنح قليلاً من الحنان في يومنا، ولو بابتسامة أو كلمة طيبة. فربما تكون تلك اللمسة الصغيرة سبباً في إنقاذ روحٍ منهكة، أو في ولادة أملٍ جديد. فكما أن القسوة تُعدي، كذلك الحنان ينتشر، يصنع المعجزات، ويذكّرنا أن الإنسانية ليست شعاراً… بل سلوكاً نمارسه كل يوم.








