الدكتور الجامعي أبو الشتاء
تُعدّ ظاهرة العنف المدرسي من أخطر التحديات التي تواجه المنظومات التربوية عبر العالم، باعتبارها أكثر أشكال العنف ضد الأطفال انتشاراً وتأثيراً على صحتهم النفسية والجسدية. هذا العنف، الذي يتخذ صوراً متعددة من التنمّر والترهيب إلى الاعتداء الجسدي والجنسي، لا يقتصر أثره على اللحظة الراهنة فحسب، بل يترك ندوباً عميقة تمتد إلى حياة الضحية المستقبلية، وتنعكس على مساره الدراسي والاجتماعي.
العنف النفسي، بما يحمله من سخرية وإذلال وتهميش ونشر شائعات، قد يبدو أقل خطورة من الضرب أو الدفع أو الصفعات، لكنه أشد وطأة على المدى الطويل، إذ يزرع الخوف وانعدام الثقة بالنفس، ويؤدي إلى العزلة الاجتماعية والاكتئاب. أما العنف الجسدي، فيمتد أثره من إصابات طفيفة إلى عاهات مستديمة، وفي أسوأ الحالات إلى فقدان الحياة. والجامع بين النوعين أنّهما يضعفان الأداء الدراسي، ويؤديان إلى انغلاق الطالب على ذاته أو لجوئه إلى السلوك العدواني كرد فعل.
عرّفته اليونسكو بأنه سلوك سلبي متكرر يستهدف فرداً عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، ويشمل التهديد، النبذ، التشهير، ونشر الإشاعات، وصولاً إلى التنمّر الإلكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وقد حذرت دراسات أممية من أن ضحايا التنمّر يعانون اضطرابات نفسية حادة مثل القلق والوحدة وفقدان الاهتمام بالحياة اليومية، فضلاً عن ضعف التحصيل الدراسي وزيادة الغياب والتسرّب المدرسي. والأسوأ أنّ بعض الضحايا قد يتحولون لاحقاً إلى معتدين، في محاولة للانتقام مما عانوه في طفولتهم.
يشكل العنف الجنسي أخطر أشكال العنف المدرسي، إذ يتراوح بين التحرش والاغتصاب وتبادل المحتويات الإباحية بين الطلاب. ورغم أنّ الضحايا من الجنسين، إلا أنّ الفتيات هن الأكثر عرضة، ما يجعلهن يتحملن أعباء نفسية واجتماعية مضاعفة تمتد آثارها إلى ما بعد الزواج والحياة الأسرية.
العنف المدرسي ليس سلوكاً فردياً معزولاً، بل نتاج بيئات مضطربة تتسم بالإحباط والغضب والتمييز الاجتماعي. ومن هنا تبرز أهمية تبني مقاربة شمولية تشترك فيها الأسرة، المدرسة، والمجتمع المدني، مع دعم القوانين الرادعة وتفعيل برامج التوعية والحماية النفسية.
فالتصدي لهذه الظاهرة ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية الأطفال، وضمان بيئة تعليمية آمنة قادرة على صناعة أجيال واثقة، متوازنة، وقادرة على الإسهام في بناء مستقبل أكثر إنسانية وعدلاً.