الدكتور الجامعي أبوالشتاء
بين التحديات التنموية والرهانات الدولية، يبرز مشروع تجديد أسطول سيارات الأجرة في المغرب كأحد أهم الأوراش المواكبة للتحضير لتنظيم كأس العالم، الذي يعد فرصة تاريخية لتسويق صورة المملكة كوجهة حضارية متطورة قادرة على احتضان كبريات التظاهرات الرياضية العالمية.
لقد أدركت الحكومة والسلطات المعنية أن النقل الحضري يمثل واجهة أساسية لقياس مستوى جودة الحياة في المدن، ومرآة حقيقية لمدى جاهزية البنية التحتية لاستقبال ملايين الزوار. فالسائح أو المشجع القادم من أقصى العالم يكوّن انطباعه الأول عن البلد من خلال وسيلة نقله من المطار أو الفندق إلى الملعب، وهنا تتجلى أهمية تجديد أسطول سيارات الأجرة كركيزة لتحسين تجربة الزائر وتعزيز جاذبية الوجهة المغربية.
لم يعد الحديث عن تجديد سيارات الأجرة مجرد مطلب مهني لفئة من السائقين أو المهنيين، بل تحول إلى خيار استراتيجي وطني يرتبط بمسألة أعمق تتعلق بالتحول نحو نموذج تنموي حضري مستدام. فالمغرب، وهو يستعد لاحتضان فعاليات كأس العالم، يدرك أن النقل ليس مجرد وسيلة تنقل، بل جزء من منظومة متكاملة تشمل جودة الهواء، والنجاعة الطاقية، والأمن الطرقي، والتنافسية الاقتصادية.
في هذا الإطار، برزت مبادرات حكومية تهدف إلى تجديد الأسطول الوطني عبر منح مالية وتحفيزات موجهة لأرباب سيارات الأجرة، مع تشجيع اقتناء السيارات الهجينة أو الكهربائية التي تراعي المعايير البيئية، تماشياً مع التزام المغرب الدولي في مكافحة التغيرات المناخية وتقليص انبعاثات الكربون.
لا يمكن اختزال عملية التجديد في البعد الميكانيكي للمركبة، بل تمتد إلى تأهيل العنصر البشري الذي يقف خلف المقود. فالرهان الحقيقي يتمثل في تكوين سائقين مهنيين مؤهلين، يمتلكون مهارات التواصل وحسن الضيافة وإتقان اللغات الأجنبية، بما يجعلهم سفراء للبلد أمام جماهير العالم.
هذا التوجه يعكس وعياً بأن الخدمة الجيدة جزء من القوة الناعمة للدول، فكما تلعب الملاعب والمنشآت دوراً في إنجاح كأس العالم، يلعب النقل الحضري والسلوك المهني لسائقي الأجرة دوراً لا يقل أهمية في تشكيل صورة البلد في ذهن الزائر.
رغم الطابع الإيجابي للمشروع، يظل التحدي الأكبر مرتبطاً بـ تمويل عملية التجديد وضمان العدالة في توزيع الدعم بين مختلف المدن والفئات المهنية. فالكثير من السائقين يواجهون صعوبات في الولوج إلى القروض البنكية أو استكمال الإجراءات الإدارية، ما يستدعي تبسيط المساطر وإشراك المهنيين في وضع آليات مرنة وشفافة.
كما يطرح الموضوع تحدياً آخر يتعلق بضرورة تحديث البنية التحتية المواكبة: مواقف مجهزة، محطات شحن للسيارات الكهربائية، ونظام معلوماتي متطور يسهل التواصل بين السائق والزبون. فبدون هذه المكونات، سيظل التجديد شكلياً دون أثر حقيقي على جودة الخدمة.
من خلال هذا الورش، يسعى المغرب إلى الارتقاء بمستوى النقل العمومي إلى مصاف الدول المتقدمة، وربط صورته الدولية بالتنظيم المحكم، والنظافة، والحداثة، والابتكار. فاستضافة كأس العالم ليست فقط حدثاً رياضياً، بل هي امتحان شامل لقدرات الدولة على التخطيط والإدارة والتأقلم مع المعايير العالمية.
إن تجديد أسطول سيارات الأجرة ليس خطوة تقنية معزولة، بل جزء من رؤية استراتيجية تسعى إلى جعل كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية في المغرب انعكاساً لقيم التطور والانفتاح التي يؤمن بها الملك محمد السادس، والتي حولت مشاريع النقل والمواصلات إلى رمز للتحول الحضاري الذي تعيشه المملكة.
ويمكن القول إن المغرب لا يجدد سيارات الأجرة فحسب، بل يجدد مفهوم الخدمة العمومية ذاته، في طريقه نحو تنظيم كأس عالم استثنائي يعكس عبقرية بلد جمع بين الأصالة والتجديد، وبين الهوية والريادة.