الأستاذ زهير أصدور
في خطوة لافتة، كشف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في مذكرة حديثة، عن معطيات مثيرة تتعلق بانتشار مقررات قضائية مزورة للإذن بالتعدد، يجري تسويقها عبر شبكات متخصصة تنشط في الظل وعلى واجهة مواقع التواصل الاجتماعي.
توضح معطيات المذكرة أن هذه الشبكات تعرض خدماتها للراغبين في الزواج بالتعدد، مقدمةً وثائق تبدو في ظاهرها مقررات قضائية أصلية، لكنها في الحقيقة مصاغة بطرق احترافية من قبل مافيا تزوير، مقابل مبالغ مالية متفاوتة.
المثير أن هذه الوثائق تُنسب زوراً لأقسام قضاء الأسرة أو لمراكز قضائية، ليتم تقديمها أمام قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، في محاولة لانتزاع أذون رسمية بالزواج في إطار التعدد
المجلس الأعلى للسلطة القضائية نبّه القضاة إلى خطورة الظاهرة، مطالباً إياهم بالتأكد من أن أي مقرر بالإذن في التعدد المقدم بين أيديهم هو نسخة تنفيذية أصلية، مع إجراء التحريات اللازمة لدى المحاكم المنسوبة إليها الوثيقة، أو عبر خدمات النظام المعلوماتي “ساج 2” الذي يتيح التحقق من المعطيات القضائية
كما شددت المذكرة على ضرورة إشعار المجلس بأي صعوبات تعترض القضاة في هذا المسار، حتى لا يتم استصدار أذون بناءً على وثائق مشبوهة
وفق مصادر مهنية، فإن خطورة هذه الشبكات لا تكمن فقط في التزوير التقني للمقررات، بل في محاولة تقويض الثقة في المؤسسات القضائية، عبر خلق سوق سوداء لـ”خدمات قضائية” موازية، تعصف بمبدأ المساواة أمام القانون وتفتح الباب أمام الفوضى في تنظيم العلاقات الأسرية.
الأمر يتجاوز مجرد وثائق مزورة، ليعكس هشاشة الوعي القانوني لدى بعض المواطنين الذين يلجؤون إلى الطرق الملتوية بدل المرور عبر المساطر الشرعية والقانونية.
تحذيرات المجلس الأعلى تكشف أن القضاء الأسري في المغرب لم يعد يواجه فقط الملفات المعقدة المرتبطة بالنزاعات الزوجية، بل أصبح في مواجهة تحايل رقمي متطور يوظف التكنولوجيا لتقويض سلطة القانون.
وهو ما يفرض، تضافر جهود مختلف المؤسسات: من النيابة العامة، الأمن الوطني والدرك الملكي إلى قضاة الأسرة، مروراً بحملات توعية للمواطنين بخصوص مخاطر الانسياق وراء هذه الشبكات.
في النهاية، تبدو هذه القضية مرآة لرهان أكبر: كيف يمكن للعدالة أن تحافظ على هيبتها ونجاعتها في زمن يتحرك فيه التزوير بسرعة الضوء عبر العالم الافتراضي؟
