رغم الدعوات المتكررة التي أطلقها ما يُعرف بـ«جيل Z 213» للخروج إلى الشارع بعد صلاة الجمعة في الثالث من أكتوبر، بقيت شوارع الجزائر العاصمة والمدن الكبرى صامتة تحت وطأة الخوف. لم يخرج الشباب الجزائريون، لا لأنهم راضون عن أوضاعهم، بل لأنهم يعلمون أن التظاهر في الجزائر يعني المقامرة بالحياة أو الحرية.
لقد نجح الحكام في خنق كل صوت معارض عبر ترسانة من القوانين والاعتقالات والمراقبة الأمنية، حتى أصبح الخوف هو السلاح الأكثر فاعلية في يد السلطة. فبدل أن يُصغي النظام لمعاناة الشباب الذين يرزحون تحت بطالة تتجاوز 30%، اختار أن يُحكم قبضته على الشوارع، وينشر رجال الأمن بدل فرص العمل.
الآلة الإعلامية الرسمية، وعلى رأسها وكالة الأنباء الجزائرية، حاولت كعادتها تحويل الأنظار، فاتهمت الدعوات بالارتباط بـ«مؤامرات خارجية» كعادتهم ، متجاهلة حقيقة أن الأزمة الحقيقية داخلية بامتياز، وأن الشعب الجزائري لا يحتاج إلى من يلقنه الغضب، فالفقر والبطالة وانسداد الأفق كفيلة بذلك.
تتعامل السلطة مع كل دعوة سلمية للتعبير وكأنها تهديد وجودي، فتلجأ إلى تكميم الأفواه بدلاً من معالجة الجذور. وحتى عندما تتحدث عن الإصلاحات، فإنها تبقى مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي، بينما الواقع يزداد اختناقًا يوماً بعد آخر.
الخوف من تكرار مشاهد «العشرية السوداء» أصبح هو الدرع الذي ينهجه النظام لتبرير القمع، غير أن هذا الخوف لم يعد يقنع أحداً. فجيل جديد من الجزائريين بدأ يدرك أن استمرار الصمت لا يعني الأمان، بل استمرار المأساة.
إن ما يحدث اليوم ليس دليلاً على استقرار النظام، بل على نجاحه المؤقت في إخضاع شعبٍ أنهكه الانتظار، وشبابٍ حُرم من الأمل، وبلدٍ يملك كل المقومات ليكون قوياً، لولا حكّامه الذين جعلوا الخوف سياسة، والصمت فضيلة.فلينتظروا قنبلة مؤجلة ستنفجر في القريب العاجل.