يبدو أن الرياضة المغربية، رغم ما تحقق فيها من إنجازات لافتة في السنوات الأخيرة، لا تزال تعاني من ظاهرة مزمنة تهدد صورتها ومصداقيتها: الفساد الرياضي. هذا الداء الذي تسلل إلى بعض الجامعات والعصب والأندية، فتح الباب أمام سوء التدبير، وتبديد المال العام، والمحسوبية في التسيير والانتقاء، مما جعل المطالبة بالإصلاح الجذري أمراً لا يقبل التأجيل.
فمن غير المقبول أن تبقى بعض الجامعات الرياضية خارج نطاق المحاسبة، وكأنها جزر معزولة عن الرقابة المالية والإدارية. فالأموال التي تُضَخ من خزينة الدولة والمجالس المنتخبة يفترض أن تُستثمر في تطوير الرياضة، لا أن تتحول إلى غنائم في يد قلة تستغل غياب المراقبة.
ولذلك، بات من الضروري والعاجل أن تتحرك الجهات الوصية على الرياضة، ممثلة في وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لتشكيل لجان تفتيش مستقلة تُوفَّر لها الصلاحيات الكاملة للنبش في حسابات الجامعات والعصب، والكشف عن الاختلالات التي عطّلت مسار الإصلاح الرياضي لسنوات.
إن إرسال هذه اللجان يجب ألا يكون مجرد إجراء شكلي، بل خطوة جريئة نحو ترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية، تضع حداً لسياسة الإفلات من العقاب التي تغذي الفساد وتضعف ثقة الجمهور. فالمغاربة، الذين عشقوا الرياضة وجعلوها جزءاً من هويتهم الوطنية، يستحقون أن يعرفوا كيف تُصرف أموالهم، ولماذا تتراجع بعض الرياضات رغم وفرة الإمكانات.
إن محاربة الفساد الرياضي ليست حرباً على الأشخاص، بل دفاع عن القيم والمصلحة العامة، وعن حق الأبطال والمواهب في بيئة رياضية نظيفة وعادلة.
وإذا لم تُفتح ملفات الفساد بشجاعة وشفافية، فستظل الرياضة الوطنية رهينة مصالح ضيقة، وسيبقى شعار “الرياضة في خدمة الوطن” مجرد كلام جميل يردده الجميع دون أن يجد طريقه إلى أرض الواقع.
ختاماً، الإصلاح الحقيقي يبدأ حين نُخضع الجميع للمساءلة دون استثناء، ونُعيد الثقة إلى الميدان الرياضي كفضاء للتنافس الشريف لا للمنافع الشخصية. فالرياضة، كما قال أحد الحكماء، “مرآة الأمة” — وإن كانت ملوّثة بالفساد، فصورتنا جميعاً هي التي تُشوَّه.








