مستجدات

إلى المدرسين/ت: لنعلم التلميذ مقاربة النقد الذاتي الفردي

[ALLNEWS]10 نوفمبر 2021
إلى المدرسين/ت: لنعلم التلميذ مقاربة النقد الذاتي الفردي

لعل من أهم الموضوعات التربوية التي يمكن أن يركز عليها المربون نساء ورجال التربية في مدارسنا، هو ما يتعلق بنمو القدرة النقدية عند التلميذ، أي قدرته على محاكمة الواقع الذي يعيش فيه، وعلى تقييم الأفكار التي يطلع عليها بروح نقدية، تتميز بقدر معقول من التفكير العلمي والموضوعية في التحليل.

 ويجب أن ينطلق هؤلاء المربون في هذا الموضوع من النقد، الذي يوجهونه إلى الأساليب التقليدية في التربية والتعليم. فهم يرون أن هذه الأساليب التقليدية تتجه دائما إلى خلق شخصية سلبية لدى التلاميذ، إذ أنها لا تتيح المجال لإبراز شخصيته  وفرديته ،و إمكانياته الخاصة وقدرته الذاتية على تحليل المعلومات، ولو بالبسيط السهل والربط ما بينها، ومن ثم انتقاد جوانب معينة منها ،أو الإضافة عليها. فالتلميذ يقف من المعلومات التي يتلقها موقف المتلقي السلبي، الذي لا يمارس المناقشة العلمية، ولا يتوصل إلى هذه المعلومات من خلال البحث الشخصي، أو الاكتشاف الذاتي. وبالتالي يفقد الصلة العقلية والوجدانية مع الأفكار التي يتلقاها، ومع الزمن ينشأ لديه إحساس وهمي بأن كل ما يتلقاه من أستاذه أو من الكتاب الذي يقرأه هي حقائق لا تقبل الجدل و النقاش ، وليس من حقه أن يمتحن صحة ما جاءت به. ومن ناحية أخرى تُحشد المعلومات في ذهن التلميذ، باعتبارها حقائق جزئية منفصلة لا رابط بينها. فالرياضيات مثلا هي مجموعة علاقات رقمية أو رمزية لا أكثر، ودروس التاريخ هي سلسلة من الأحداث الزمنية المتراكمة، التي تفتقر إلى كثير من التفسيرات الضرورية. حيث يلقن المدرس للتلميذ معارف متفرقة وفق مواد مفصلة، ويطلب منه حفظها عن ظهر قلب واستظهارها عند الامتحان، كما تلقاها دون اجتهاد ذاتي، ولا يسأل الأستاذ كيف فهم التلميذ الدرس. وهكذا تتطور لدى التلميذ شخصية سلبية، لا تتمتع بالروح النقدية، وتعجز بالتالي عن فهم واقعها الاجتماعي , الإنساني ضمن ظروفه الموضوعية.

 وفي كثير من الدول يشير علماء التربية، إلى أن الملكة النقدية تبدأ منذ الطفولة، بالرغم من أن الطفل يخضع للتلقي أكثر من غيره. فهو يكتسب من المعلومات ما يتلقاه من كبار السن، وما يشاهده في محيطه. ومع ذلك فكثيرا ما يستجيب الطفل لظروف بيئته المحدودة، استجابة تتضمن الرفض وتعبر عن الاستقلال، أو الرغبة في الاستقلال. فإذا ما تعرض الطفل منذ المراحل الأولى إلى إحباط مستمر لهذه الرغبة الشخصية في التعبير عن ذاتيته، فإنه يفقد الكثير من مقومات الشخصية الإيجابية السليمة. ويُلاحظ علماء التربية أن المجتمعات الحديثة على وجه الخصوص، تميل إلى إلغاء الفروق الفردية، وإلى معاملة الأفراد باعتبارهم أنماط عامة، يجب أن لا تخضع لنمط الثقافة الرسمية التقليدية، وذلك من أجل خلق الكيان الاجتماعي المتجانس. ويؤكد هؤلاء العلماء، أن هذه النظرة تنطوي على خطورة كبيرة، تهدف في الدرجة الأولى إلى حماية الواقع الحالي ومؤسساته. كما أنها تجسد الخوف من أية اتجاهات تغييرية. فالتغيير والتطوير الاجتماعيان، لا يمكن أن ينشآ إلا من خلال الروح النقدية ، التي تحاكم الواقع وتعمل على تطوره. ومن الأمور التي تجدر الإشارة إليها في هذا الصدد، أن هذه الاتجاهات التربوية التقليدية الخاطئة، قد تمخضت عما يمكن أن يسمى “عقدة الكلمة المطبوعة” إذ أن كثيرا من التلاميذ قد نشأوا على الاعتقاد بأن كل كلام مطبوع يقرأونه ، هو من قبيل الحقائق الراسخة التي لا يساورها شك ، ولا تقبل  النقد. فإذا قرأ أحدهم كتابا ما، فإنه يردد باعتداد بعض ما حفظه منه دون النظر إلى خلفياته ومعطياته، فقد يكون هذا الكتاب نتاج مجتمع مختلف تماما عن مجتمع القارئ في زمن ما، وقد يكون تعبيرا عن ظروف اجتماعية وحضارية لا علاقة لها بحياة التلميذ وأوضاع مجتمعه،كما يمكن أن يعكس الكتاب فلسفة في الحياة لا تتصل بالشخصية الحضارية للمجتمع الذي يعش فيه القارئ. وكثيرا ما تحدث أن يطلع نفس ذلك القارئ على كتاب آخر يطرح مفاهيم متباينة لما جاء في الكتاب الأول، فيردد منها بقدر ما ردد من أفكار الكتاب الأول، دون أن ينتبه إلى أن كلا من الكتابين يعبر عن وجهة نظر مختلفة تماما. وهذا كله يعود إلى فقدان المنهجية في التفكير، وهي المنهجية التي توفر للتلميذ القدرة على النقد، والانسجام في وجهات النظر، والأرضية الأخلاقية والواقعية التي تجعل الفكر أمرا يتعلق بالحياة وليس مجرد ترف ذهني، أو استعراض سطحي للمعلومات.فلا يمكن أن نفرض على التلميذ معلومات غصبا عنه فيحفظها كالببغاء ،ويحملها دون فهم .لذلك يمكن القول أن التلميذ قادر على بناء معارفه بنفسه ،لو وفُرت له ملكة النقد الذاتي ،وحُرر من التبعية للأستاذ أو لمحور الدرس ،ومُنحت له الثقة في قدراته الذهنية ،ووُفر له كذلك الوسط المناسب، للقيام بنقد موضوعي على قدراته العقلية والمعرفية .

لقد انتهت تربويا صلاحية معارف تربية الأمس، وأصبح من اللازم على المدرس، تعليم المتعلم النقد الذاتي، حتى يكون قادرا على تجديد زاده المعرفي بنفسه ،لينطبق عليه المثل الصيني الشهير ” لا تعطيني سمكة ،بل علمني كيف أصطاد” .

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي