متعبا يأتي يوميا من ناحية أعلى قمة في جبل بقرية بني عمار، ينتشل في آخر خطواته أرجله من الأرض انتشالا، كأنه شيخ طاعن في السن، يصل إلى القسم منهك القوى فلا شيء يساعده على التنقل اليومي من منزله إلى سفح الجبل حيث نبتت فرعية بين أحجار كبيرة وأشجار الزيتون المسنة، غير حمار يطلبه من صاحبه كلما أحس بعدم قدرته على امتطاء صهوة الطريق دون معين، عمره اليوم لا يتعدى الخمسة والأربعين، عمر قضى نصفه في الانتقال بين قرية وأخرى إلى أن وصل إلى هاته المنطقة ، وجد كل الترحاب من أهلها الطيبين الكرماء الذين منحوه بيتا استقر به وحيدا واستلذ مقامه رغم أن البيت يوجد في قمة الجبل بينما المدرسة توجد في سفحه، اعتاد حاله هذا، وشعر بأنفاسه تأخذ حريتها بين الصعود والنزول،
في أحد الأيام وعلى غير عادته دخل القسم الذي يدرس به أبناء القرية مبكرا، جلس على كرسيه مصرا على ترك الحرية للحظتيه لتسبحا في كون الله ، ولقلبه، ليرفرف على نغم زقزقة طيور اعتادت السفر كل صباح إلى أشجار مملكته، والإنضمام إلى أصوات التلاميذ الذين يرفضون الصمت ولو للحظة فبل الدخول إلى القسم، سبح في ملكوت الله منتشيا بطرح الأسئلة وانتصار الأجوبة على الجبال العالية الواقفة كل صباح دونه وشروق الشمس، قبل أن يقطع عليه هذا الجو الصوفي وصول التلاميذ بصخبهم وضجيجهم الذي أخذ في تحمله دون تردد.
دخل التلاميذ القسم، وبعد أن رأوا معلمهم جالسا على كرسيه وقد بكر في وصوله، عم صمت رهيب، وبقيت الأعين مفتوحة دون أن تتسائل عن السر في ذلك، بعد هنيهة وقف المعلم وطلب من الجميع إخراج كراساتهم ومقرراتهم، الجميع انهمك في ذلك بينما هو توجه نحو السبورة لكتابة تاريخ اليوم، ليسمع بعض الأصوات الغير عادية ويستدير على حين غرة، موجها الكلام إلى أحد التلاميذ الذي كان شاردا في الحديث إلى زميلته بطريقة غير لائقة:
– المعلم: اسكت الحمار
عم الصمت مجددا وأكمل المعلم الكتابة على السبورة إلى أن فاجأه التلميذ المعني قائلا:
أستاذ، أستاذ، نحن في عصر الديموقراطية ولا يحق لك أن تنعتني بالحمار، كان عليك أن تدعوني بالحيوان وأن تترك لي الحرية في اختيار اسم لي من بين أسماء الحيوانات الأخرى إن كنت ديموقراطيا كما تدعي.
: