مستجدات

الدخول المدرسي وجيب الكادح المثقوب

[ALLNEWS]27 سبتمبر 2021
الدخول المدرسي وجيب الكادح المثقوب

وجهه شاحب من قهر الزمن الغادر وسلوك “الباطرونا”، تجاعيد منحوتة على خديه تحكي لكل ناظر نكبات السنين والأعوام ،التي عاشها تحت رحمة الأقدام .كل “تجعيدة” تذكره بمئة همّ وغمّ ، تذكره بظلم الأيام ، بوضعه المزري، تحكي عن عرق جبينه المهدور في المعامل ،في المزارع وفي ورشات البناء، في الأزقة وفي الشوارع ، تحكي عن الأجور الهزيلة ، والأسعار المرتفعة ،تحكي عن العمل لسويعات والانتظار لأيام ،لشهور وربما لأعوام.

حكى لصديقه الفحام عن أيامه ، حكى له عن الزمن الغادر،حكى له وعيناه تنهمران بالدموع ، دموع القهر ،دموع اليأس والقنوط ،”لا قنطة تحت رحمة الله” هذا رد صاحبه بحشرجة.

لم يتناول طعام غذائه اليوم،نسي صلاة الظهر بعدما عاد أولاده الأربعة من المدرسة وفي يدهم ورقة الأدوات المدرسية .لم يعد يفكر في شيء، وبيد مرتعشة لَمَّ الأوراق وخرج للبحث عن رزق ضاع أو ربما على شفى الضياع ، أدخل يده في جيبه “المثقوب” ولا فلس ، قال إن أيامه كلها “مثقوبة” ،يقرأ في لائحة الأدوات المدرسية من سيقرضه بعض الدريهمات ، لا أحد على باله ،كلهم في مثل وضعيته ، لم يعد يتحمل مثل هذه المصاريف ، إنها زائدة في نظره ،إنها خاصة بهذا وذاك ،أما هو فاعفوه من هذه المصاريف .

إن ما يغيظه أكثر ليس الجوع أو المرض ، فقد تعود على مثل هذه المصائب ،لكن الدخول المدرسي الذي باغثه هذه المرة  بعد مصاريف رمضان وأضحية العيد، ويده فارغة وجيبه مثقوب “رباه ماذا عساه أن يفعل لأربعة أطفال صغار ، كلهم ينتظرون منه أن يأتيهم بحمل من الكتب والأدوات المدرسية مثل أقرانهم ، أما الألبسة فعندهم ما يكفيهم من اللباس المهلهل ، البالي الذي تصدقت به عليهم الحاجة الجارة ،قبل أن تذهب إلى الحج ،أما عند رجوعها فلا صدقة تذكر، “دازت على برقة ومبقات فيها مرقة “قالها في نفسه.

في الأعوام الماضية كان يقابل مصاريف الدخول المدرسي،بحفنة نقود متحصلة من بيع بعض الأثاث المنزلي ، مما تسبب في شجار عنيف بينه وبين زوجته ، هذه السنة ليس له ما يبيع سوى معاول الهدم وأشياء أخرى لا قيمة لها في سوق “الجوطية”.

يحكي لبائع الفحم جاره وقد اغرورقت عيناه بالدموع ،أنه لم يعد قادرا على تحمل هذه المصاريف ،هذه هي الحياة يقول الفحام بتحسر ،الموت أصبح عنده أهون من العيش على هذه الحال ،خطر بباله أنه سيبيع كويراته الحمراء ، حتى هاته لم تقبل منه عند باب مركز تحاقن الدم ، لا لشيء سوى أن وجهه شاحب وجسمه نحيل ودمه معفن بوساوس الزلط وقهر الباطرونا .

“لقد قررت لا مدرسة لأبنائي بعد اليوم ، لقد فكرت في إحداث شركة مجهولة الاسم ،مجهولة الهوية رأسمالها : علبة سجائر ،وصندوق خشبي صغير ، وعلب “كلينكس”  إن تيسر الحال ،وموقع الشركة الطوار والمدارة والشارع الرئيس ،سأوظف فيها أبنائي بدون “تدويرة لأحد” ولا يد طويلة أبوسها، سأوزعهم بينهم هذه المناصب وأعرف أنها ليست شاغرة ، فمنهم من يحتكر وظيفتين أو أكثر “وكذلك يفعلون”.هذا لا يهم مادامت وظائفهم معفاة من الضرائب على الأرباح والرسوم الأخرى، “وهذا أفضل لي ولهم من حسّ المدرسة والدفتر والكراسة …

ما بالك بالدين درسوا وحصلوا على الإجازة،وهم الآن في إجازة طويلة الأمد ، نظراتهم المحزنة تدمي قلب كل غاد ورائح إلى المدرسة ،فكم من تضحيات جسام ،وكم من أثاث بيع ، وكم من ديون ترتبت ؛حتى وصل الأبناء إلى هذه الإجازة الأبدية ، ليث آباؤهم ما فعلوا ،فلو كانوا يعرفون مثلي مآل وحال أبنائهم اليوم لكسروا الأقلام ،وأحرقوا الكتب والكراسات… الآباء لازالوا ينتظرون أولادهم، والأبناء ينتظرون دورهم في التوظيف ، والكل ينتظر وينتظر، وربما منهم من يحتضر ….أما أنا فأتكل على الله ،وأوزع إذا هذه الوظائف على أبنائي الصغار ..وأترك المدرسة ووجعها لأصحابها …وأقول “لولا أبناء الأغنياء لضاع العلم”.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي