مستجدات

الرجل غير المناسب في المكان المناسب ( عادل بن الحبيب )

[ALLNEWS]13 يوليو 2021
الرجل غير المناسب في المكان المناسب ( عادل بن الحبيب )

كانت الولايات المتحدة الامريكية  تملك جاسوسا  روسيا يعمل مستشارا للرئيس الروسي في ذلك الوقت، وكان من أكثر السياسيين السوفيات تفانيا، وإخلاصا في العمل، والجميع تفاجأ عندما تم كشف أن هذا الرجل، هو جاسوس للمخابرات الامريكية ، ولكن لم يجدوا أي شيء يدينه ، وعندما أعطوه الأمان بعدم قتله، وكان قد صار طاعنا وكبيرا في السن، سألوه عن ما هو عمله الذي كان مكلف به من المخابرات الامريكية قال: “إن عمله كان يقوم على أساس (وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب) فكنت  آتي بالمهندس الزراعي وأضعه في وزارة المالية، وآتي بالطبيب وأضعه في وزارة الصناعة”. وهذا الشيء ساعد كثيرا في تفتت وإضعاف الاتحاد السوفياتي السابق ،وانهياره، لأن المهندس لا يفقه شيئا بالطب، والمحاسب لا يفهم شيئا بالصناعة… فإذا أردت أن تُدمر مجتمع بأكمله فعليك أن تجعل هذا المجتمع يعج بالفساد، وذلك بوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب . إن وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب يرفع من مقام الوضيع، و ينقص من مقام الفاضل.

فعندما يدير الشخص غير المناسب أي قطاع أو منظومة فإنه يحارب الكفاءات ، حتى لا يظهر أحد بجواره يخطف منه الأضواء، فيحاربه بالتهميش تارة وبالإقصاء تارة و بالكذب و الافتراء و الكيد تارة أخرى .

يختلف الأشخاص فيما بينهم من ناحية المؤهلات والقوى العقلية والبدنية و كيفية وأسلوب الأداء، لأن الأعمال بطبيعة الحال مختلفة من حيث السهولة والتعقيد، ومتفاوتة فيما تحتاج إليه من قدرات وإمكانيات ومواهب، وإن عملية أداء الأعمال والوظائف بالشكل المنطقي والمناسب والعملي ، تتطلب أن يكون المؤدي لها يملك القدرة التي تناسب وتلائم هذه الأعمال، بالإضافة إلى امتلاكه مهارة التأثير بالآخرين؛ من أجل العمل على تحقيق أهداف المؤسسة  أو الحزب أو المكان الموجود فيه.

وإن مناسبة الشخص لوظيفتة تنطبق على كل مستويات العمل ، وعلى مختلف أنواع الأشخاص، فتبدأ من أعلى المناصب في الدولة ولغاية أقل الأعمال شأنا فيها، فليس من المنطق أو من المعقول أن يوضع العالِم في وظيفة لا تليق بعلمه وحكمته ورجاحة عقله، وليس من المنطق أو من المعقول أن يوضع الجاهل في وظيفة إدارية ليتحكم بمصائـر العبـاد بلا أدنى خبرة بكيفية تسييـر الأمور. ماذا نتوقع من شخص يفتقد إلى كل مقومات التدبير  ، شخص محدود الفكر ، منعدم التواصل ، مريض النفس ،  ضيق الأفق ، متضخم الأنا ،عندما تسند له مسؤولية إدارية أو سياسية.

ولقد أثبتت التجارب الكثيرة في الحكومات والمنظمات والمؤسسات، أن العديد من الانتكاسات والخسارات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل، وضعف القرار المتخذ و عدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم، وهذا الأمر لا يعود إلى وجود مشكلة ،أو خلل في الوظيفة أو العمل نفسه فحسب، بل لأن هناك خلل  في عدم قدرة وكفاءة من يديرها، وتحمل مسؤوليتها بالشكل الصحيح، وبالتالي فإن تقدم المجتمعات وتطورها مرهون بالاختيار السليم لكوادرها وقياداتها، وخاصة في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية و السياسية.

إن عدم إسناد الوظائف والمناصب إلى مستحقيها بالفعل ،وإسنادها إلى البعض طبقا للواسطات والمحسوبيات، هو السبب الرئيس في خسارة الوقت والأموال، والتخلف والرجوع إلى الوراء خطوات ٍ وسنوات، وهو السبب الرئيس في انهيار الاقتصاد وزيادة العجز والمديونية في معظم دول العالم الثالث وهو السبب الرئيس في انتشار الفساد المالي والإداري والسياسي، وانعدام العدالة، وعدم المساواة في الحقوق بين الناس، لأن الشخص غير المناسب يأتي بأشخاص غير مناسبين من حوله ويعينهم وهكذا،… حتى تصبح كل الدائرة مليئة بالأشخاص الغير مناسبين فقط.

 إن الإصلاح الشامل  يكمن بالأساس في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، وذلك يتطلب توصيف كل عمل من الأعمال لمعرفة الصفات الواجب توفرها في الشخص الذي سيسند أليه هذا العمل أو تلك الوظيفة ، وذلك من حيث الكفاءة والمؤهل والخبرة والممارسة والنزاهة والشفافية ونظافة اليد. ولا بد من وضع معايير صحيحة ودقيقة في اختيار الأطر خاصة الذين سوف يكلفون بمناصب قيادية، لأن مسؤولية المجتمع تقع على عاتقهم ، وإن يكونوا من ذوي الكفاءات والقدرات المتميز، ويحسنون الاهتمام بالعنصر البشر. وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، هي أول خطوة   نحو الإصلاح و التغيير ، وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،  يعتبر الرافعة القوية لجميع برامج الإصلاح، وهو ضرورة ورديف للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي