مستجدات

الرميكة: مشروع لا يحمل من مواصفات القرية الصناعية إلا الإسم

[ALLNEWS]19 نوفمبر 2021
الرميكة: مشروع لا يحمل من مواصفات القرية الصناعية إلا الإسم

تشكل الصناعة التقليدية بمدينة مكناس ونواحيها جزء لا يتجزء من العاصمة الإسماعيلية، ورمزا من رموز أصالتها وحضارتها، وشاهدا حيا على عبقرية صناعها التقليديين. وما يمتازون به من قدرة على الإبداع والابتكار. وبفضلهم كانت مكناس دوما تمثل على الصعيد الوطني قطبا هاما للصناعة الحرفية، لكن جار الزمان على المدينة، وأصبح يسيرها من لا يعرف قيمتها. مجالس متعاقبة متطاحنة، ولا مجلس واحد استطاع أن يخرج مشروعا يعيد للصناعة التقليدية بريقها ومكانتها. وخاصة بعد فشل إحداث مشروع قرية نموذجية مندمجة للصناعة التقليدية والمهن بمنطقة “الرميكة” منذ سنة 2004.

* المشروع الصورة والهامش:

المشروع ولد ميتا يقول بعض المسؤولين، وهو اليوم لا يحمل من مواصفات القرية الصناعية إلا الاسم، وأصبح ندير شؤم على المدينة، على اعتبار أنه لم يحقق ما كان منتظرا منه، فبعد أن استبشر الصناع خيرا بإنجاز هذا المشروع الذي راهنوا عليه لصقل المواهب الفتية، خصوصا في ظل الخصاص الذي يعرفه هذا الميدان، إلا أن هذه الفرحة لم تكتمل، مما يطرح أكثر من سؤال، وخاصة بعد أن صرفت عليه ميزانية كبيرة من المال العام، مشروع دمر أحلام جيل كامل من الصناع، ولازال يواجه المجهول فمن المسؤول؟

في إطار تفعيل مخطط وطني، والذي أطلقت عليه “رؤية 2015 للتنمية الجهوية للصناعة التقليدية” تفتقت عبقرية أحد الولاة، واقترح إنشاء مشروع “أريد” به إحداث قرية الصناعة الحرفية والمهن، المسماة “قرية  صناعية الرميكة” بالطريق الرئيس رقم 6 في اتجاه مولاي إدريس زرهون، وسيدي قاسم، تبعد عن مدينة مكناس بحوالي 3,5 كلم، كان الهدف من إحداثها حسب ذات المسؤول ظاهريا هو تحويل الفخارة والخزفيين المتضررين من فيضانات وادي بوفكران التي كانت تلحقهم بمنطقة دردورة آنذاك، غير أن الجانب الخفي في عملية نقل هؤلاء الصناع قهرا، هو إبعاد الأدخنة الناتجة عن طهي الفخار والخزف، النفاثة في اتجاه إقامة الوالي في ذلك الوقت.

* معطيات وأرقام تحكي بوادر أزمتها:

وعليه وبموجب عقد اتفاقية شراكة، ثم تخصيص قطعة أرضية في ملكية جامعة مكناس، مساحتها الإجمالية تبلغ 86 ألف و110 متر مربع، يجمعها الرسم العقاري رقم: K1663 وزعت أخيرا على 154 وليس على 200 قطعة كما كان في السابق، تجمع حرف الفخار والخزف، والزليج التقليدي، والنقش على الزجاج، والخياطة التقليدية، والحديد المرصع، والجبص والحلاقة، بالإضافة إلى بناء قاعة لعرض المنتوجات، وقاعة جماعية لإعداد الطين، ومسجد ومصحة، وجناح إداري، ومطعم ومقهى، ومركز لتكوين الصناع في مجال الإنتاج والتسويق، ومساحات خضراء، ومرافق صحية، وحديقة الألعاب للأطفال.

هكذا قدم المشروع أمام جلالة الملك محمد السادس سنة 2004، وقد خصص له تكلفة مالية تقديرية تبلغ 39 مليون و280 ألف درهم بمساهمة وزارة الصناعة التقليدية بحوالي 4 مليون و5 مئة ألف درهم، حسب اتفاقيتين موقعتين بتاريخ 4 نونبر 2002، وأخرى يوم 28 أكتوبر 2010، بالإضافة إلى قسط المجلس الجهوي لجهة مكناس-تافيلالت آنذاك، بمبلغ 6 ملايين درهم، وكذلك حصة المديرية الجهوية لوزارة التجهيز بمبلغ 2 مليون درهم، ونصيب المكتب الوطني للكهرباء بما قدره 2 مليون ومئتي ألف درهم، بالإضافة إلى مساهمة تعاونية الرميكة بمبلغ 2 مليون و580 ألف درهم، وجماعة مكناس بحصة 2 مليون درهم كمنحة للتعاونية المذكورة، بهدف اقتناء البقعة الأرضية الحاضنة للمشروع برسم سنة 2010، مما مكن من تجاوز الصعاب المالية وتفويت 154 قطعة أرضية لمن؟ وهنا مربض الفرس يقول المسؤول نفسه أحيلت إلى بورصة للقيم المنقولة وغير المنقولة، بحيث تم توزيع القطع الأرضية على بعض من وُصِفُوا بالانتهازيين الذين تهمهم المسارات الشخصية لا المشروع المجتمعي، الذي يمكن أن يساهم في تنمية النظم الإنتاجية المحلية.

* نقائص وتشوهات حولت القرية إلى قندهار

الظاهر للعيان أن تأسيس المشروع كان فكرة سديدة، لكن الراجح أنه لم تسبقها أي دراسة معمقة، أو تفكير متزن ورصين، وخارطة طريق مضبوطة، وذلك راجع للطابع الاستعجالي لعملية ترحيل الصناع من موقعي دردورة والحارة، حيث عمد هؤلاء الصناع في أول الأمر إلى بناء بعض المحلات الحرفية بشكل عشوائي ارتجالي، رغم التوفر على تراخيص وتصاميم بناء موحدة، باستثناءات محدودة.

وبحسب بعض المتتبعين فالمشروع لم يستغل منه إلا حوالي 50 إلى 60 في المئة رغم تدشينه سنة 2004، أي منذ ما يقرب عن 14 سنة، في المقابل حددت المادة التاسعة من الاتفاقية المبرمة أن مدة الإنجاز 3 سنوات تحتسب ابتداء من تاريخ الاتفاقية في نونبر 2002.

والملاحظ لدى الخاص والعام، أنه تم بناء برجين عاليين مزركشين بالمدخل الرئيس، وبداخل المسماة القرية وأي قرية صناعية ؟، هناك أفرنة تقليدية توقد الحطب ومواد أخرى تنبعث منها أدخنة داكنة وروائح كريهة تحدث خللا في النظام البيئي، مما جعله مشروعا عدوا للبيئة بامتياز، وليس بصديق لها كما كانوا يردد المسؤولون في أكثر من مناسبة، أكوام من الأتربة، وبقايا شذرات الفخار، وبنية تحتية مهترئة تخلف منظرا بشعا ومثيرا للشفقة شبه أحدهم القرية بقندهار، نقائص وتشوهات عديدة أحالت القرية إلى جثة هامدة صامتة صمت القبور، تنتظر الإعلان رسميا عن وفاتها، ودفنها في مقبرة المشاريع المغتالة وما أكثرها بالمدينة (الأسواق الجوارية مثلا).

* الإدانة واضحة في تقرير المجلس الجهوي للحسابات:

ولتعزيز وصف هذه القرية النموذجية في البشاعة، ندرج بعض الملاحظات التي جاءت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حيث أسفرت نتائجه على الوقوف على الحالة المزرية التي يوجد عليها هذا المشروع، والمتمثلة في عدم توفره على التجهيزات التي تمكنه من تحقيق أهدافه، مما نتج عنه تهالك البنية التحتية من طرق وممرات، وشبكة الاتصالات، التي قام بإنجازها مجلس الجهة وكلفته 6 مليون و440 ألف و410 درهم. حيث لا يوجد بالمشروع إلى متم سنة 2012 سوى 3 وحدات صناعية يضيف التقرير، وعليه يوصي المجلس الجهوي للحسابات بضرورة اتخاذ التدابير الضرورية لإخراج المشروع إلى حيز الوجود وفق التصاميم المعدة من قبل المهندس المعماري الذي تقاضى ما يفوق 250 ألف درهم كأتعاب، وخلال السنوات الست الأخيرة بنيت بعض المرافق لكن القرية بقيت تشكو حالها إلى الزمن الحاضر.

* لم يعد للمشروع حاضر ولا مستقبل:

هذا المشروع تم تسويقه في مناسبات عديدة، على أنه يقدم حوالي ألفي منصب شغل، ويساهم في الإنعاش الاقتصادي والسياحي، ويوفر الظروف الملائمة لإحداث نظم جماعية لتسويق مؤهل، يخوض غمار التنافسية الاقتصادية المستقبلية في أفق سنة 2020، بالإضافة إلى خلق نواة نموذجية لتنظيم الحرف يمكن اعتمادها كنموذج على مستوى الجهة.

لا شيء من هذا وذاك، مشروع فاشل أو أفشلوه عنوة لحاجة في نفس معارضيه، ومعرقليه. إنه النموذج الأمثل للفشل، يقول أحد الصناع، إنه يمثل خيبة أمل عظمى للصناع التقليديين، ولسكان المدينة على حد سواء، مشروع لازال يواجه مصيره، صرفت عليه أموال طائلة دون أن يضيف للعاصمة الإسماعيلية شيئا يذكر، عدا بعض المحلات المنتشرة هنا وهناك، يحج إليها من حين إلى آخر بعض المتطفلين الذين خُدِعُوا بالبرجين المنتصبين بالمدخل، وعند التجوال يستحضر كل زائر الحكمة المغربية المأثورة: “المزوق من برا آش اخبارك من الداخل”.

ويرجع المهنيون هذا التدهور والانحطاط الذي أصاب القرية في العمق إلى انعدام التوافق والانسجام بين الهياكل التنظيمية للتعاونية وأشياء أخرى، وكذلك إلى تساهل السلطات الوصية المتعاقبة في عدم السهر على تطبيق بنود الاتفاقية التي تخول سحب المشروع من هذه التعاونية عن طريق القضاء لعدم وفائها وتطبيقها لما ورد في دفتر تحملات التعاونية يضيف ذات المحدث. لكل هذا يتساءل الرأي العام عن دور الأجهزة الوصية في المراقبة لضمان سير المشروع الذي يعد في نظر البعض وصمة عار على جبين المدينة، وجريمة بشعة ارتكبت في حق الصناعة التقليدية لكن بتوقيع من؟؟

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي