مستجدات

السقايات بمدينة مكناس: سمات الإبداع تحتضن ثقافة عمرانية تاريخية متميزة (3)

[ALLNEWS]15 يوليو 2021
السقايات بمدينة مكناس: سمات الإبداع تحتضن ثقافة عمرانية تاريخية متميزة (3)

من المعروف أن مدينة مكناس تشتمل على عدد كثير من الآثار التاريخية العريقة ، التي تثير إعجاب السياح والزوار ، وتجدب إليها المهتمين بالتراث المغربي الأصيل ، وتدفعهم إلى التأمل والتفكر في هذه المعالم التاريخية ، التي تجسد الماضي بكل تفاصيله الفنية والثقافية والاجتماعية والهندسية .

وضمن هذه المآثر نجد السقايات العتيقة ، التي اختلف بعض المؤرخين في تحديد عددها بين 4 مئة و75 سقاية باقية ، وذلك الأمر ساهم بشكل كبير في جعل المدينة شامخةبسقاياتها المتميزة ، لم تفقد صيغتها التاريخية بل محافظة في بعضها على رونقها القديم ، لها جدور عريقة تعكس بصورة صادقة تاريخ الوطن ، وتعطي صورة مشرفة للأجيال المتلاحقة ما بناه الأجداد والآباء ، ويلمسون من خلال هذه السقايات ما أضافوه وما شيدوه في عصرهم ، وكيف كانت علاقتهم بتاريخ الأنسانية .غير أن الملاحظ على جيل اليوم ، لا يعير أي اهتمام لهذه المعالم التاريخية ، بل منهم من يعتدي على هذه المعالم عن جهل وغباء ، فيتم التطاول عليها في بعض الأماكن ، وخاصة تلك التي ليست لها أبواب ، مثل السقايات العتيقة والأبنية الخارجية ، التي لا تتوفر على حارس يقيها من بطش المتهورين الشباب وأمثالهم .وليس هناك أمر يستدعي هدم هذه المعالم ، فالواجب يقتضي المحافظة على ما بقي منها والعناية بها والاهتمام بصيانتها.

وتأسست تسمية هذه السقايات بالمدينة العتيقة من حيث الاشتغال الأنوماسسيولوجي، كما جاء في نشرة التواصل والأعلام ” مكناس تكركرات “، على أنساق متباينة كقربها من مكان معين معروف لدى العامة ،أو شجرة أو مسجد أو الحي التي توجد فيه ، فبالنسبة للحي مثلا نجد هناك سقاية سهب الملح ، وسقاية تيبربارين ، أو المجاورة لضريح كسقاية سيدي عبد الله القصري ، وسقاية سيدي أحمد بن خضرة ، أو القريبة من المسجد كسقاية مسجد النجارين ، وسقاية مسجد سعدون ، ومسجد زواغة ، او الوظيفية كسقاية اشرب واهرب ، أو الشكل كسقاية سبع عنانب والشريشيرة أو القيمة المتحفية كسقاية الذهب بدردورة أو نسبة إلى شخص كسقاية أبا الخير،  أو القرب من شجرة كسقاية التوتة ، أو للارتباط بممارسة طريقة صوفية كسقاية حمادشة .

والملاحظ كما جاء في المصدر المذكور،  أن هذه السقايات موزعة في جميع أنحاء المدينة العتيقة متقاربة فيما بينها ، وهي غالبا ما تو جد بمفترق الطرق وقرب المساجد،  مثل سقاية اشرب واهرب القريبة من مسجد الحشايين برحبة الزرع القديكة، وسقاية العدول القريبة من المسجد الأعظم ، وسقاية مسجد سيدي حماموش ، وسقاية مسجد سيدي الحاج قدات ،وسقاية مسجد براكة ، وسقاية مسجد تيبربارين.

كما أن هناك سقايات قرب الأضرحة ، كسقاية ضريح سي سعيد وسقاية ضريح مولاي عبد الله بن حمد ، وسقاية ضريح لالة عيشة عدوية ،وسقاية ضريح سيدي علي منون ، وضريح سيدي عمرو لحصيني ، وضريح سيدي عبد القادر العلمي .

وهناك سقايات أخرى قريبة من بعض المعالم التاريخية ، كالسقاية المجاورة لباب الرايس،  وأخرى مجاورة لباب السيبة ، وسقاية محاذية لفندق السلطان ، وسقاية الشريشيرة الملتسقة بالسور الأسماعيلي،  وأخرى مجاورة للبيمارستان المريني ، المجاورة لباب الناعورة ، وسقاية السرايرية وسبع عنابب والمحادية لحمام المريني.

وبالأحياء الحرفية والتجارية توجد كذلك بعض السقايات ، منها سقاية الصباغين والسلالين ،والخرازين والعطارين ، والغمادين والسرايرية والخضارين،  أنشأت قرب هؤلاء الحرفيين لتزويدهم بالماء الكافي ، لاستعماله في حرفهم سواء للغسل أو للنظافة والشرب .وتماشيا مع وظيفة النظافة فإن بعض السقايات تحاذيها دور الوضوء ،مثل سقاية بجوار سيدي أحمد بن خضراء ، وسقاية القيسارية التي يقابلها مرحاض المسجد الأعظم ، وسقاية سهب الملح المجاورة لمرحاض ابن عزو،  وسقاية مسجد سيدي يحيى المجاورة للمرحاض الذي تحول إلى دكان .

إن ما تشاهده اليوم هذه السقايات ،  من انتاج ابداعي عمراني موغل في القدم ، له من سمات  الإبداع في فن العمارة المغربية ، في استخدام الأشكال الهندسية في تصميم هندسة هذه السقايات المختلفة في طرق بنائها وزخرفتها ، سواء بالرسم أو بالزليج أو بالزخرفة الكتابية ،مثل الكتابة بالخط الكوفي كما أن، أغلبها بني على شكل قوس مزركشة بقطع الموزاييك المتنوعة ،ذات ألوان زاهية يتم بها تشكيل أشكال متنوعة ،بعد دمجها في تناسق تام تسر الناظرين ، حيث تشكل لوحات تشكيلية متناسقة تجسد نمطا معماريا مميزا ، وملامح مراحل تاريخية وتراتية متجدرة في القدم ، تحت ثقافة عمرانية ضاربة في القدم .

وتعتبر هذه السقايات نتاجا متقنا ومعمارا فنيا لصناع مغاربة مهرة كان لهم الدور الكبير في في سر جماله ،وخلوده، لتظل عبقرية هؤلاء الحرفيين ، شامخة عبر السنين والأعوام ، لذلك وجب الحفاظ على هويتها ، وخصوصيتها العمرانية والابداعية ، مما يبرز الذوق الرفيع وكفاءة الحرفيين المكناسيين وتأسيسا على هذه الشهادات نستنتج أن ما نشاهده حاليا من بقايا العمارة في مدينة مكناس ، والأكثر وضوحا ما هو إلى جانب من جوانب الحركة العمرانية ، التي واكبت تاريخ المدينة ،وهو أمر يحمل على الاعتقاد بأن المعرفة التاريخية بالعمران المكناسي، على ما هي عليه الآن مبتورة وفي حاجة أل مزيد من تعميق النظر، والبحث كما جاء في كتاب مكناس عبر التاريخ :تقريب وتركيب..

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي