عبر الأزمنة والحقب والمقاصد والدلالات وفي المخيال الاجتماعي
3 ــ انتشار الشاي في العالم العربي والإسلامي
جاء في الموسوعة العربية العالمية ،ما يشير إلى أن العرب والدول الإسلامية لم يعرفوا الشاي في أي من العصور القديمة ،سواء في عصر الجاهلية ،أوفي صدر الإسلام،ولا حتى في العصرين الأموي أو العباسي ،حيث لم يعثروا على تاريخ محدد لدخول هذا المنتوج أو شربه في هذه البلدان.
ويذكر العرب في بعض مؤلفاتهم، أنهم كانوا يعرفون الشاي منذ القرن 19 ،وحسب بعض المراجع، فإن الأتراك عرفوا هذه المادة قبل اعتناقهم الإسلام ،إلا أن المشاع هو أن الشاي لم ينتشر في الأناضول إلا في القرن 19 ،وكتب الحاج محمد عارف أفندي والي مدينة بورصة التركية سنة 1877م كتابا بعنوان “رسالة شاي”تحدث فيه عن تناول الشاي منذ ثلاثين عاما مشيرا في ذلك إلى منافعه ومضاره.
ويذكر في المراجع القديمة أيضا، أن أهل الجزيرة العربية عرفوا البن قبل الشاي لقربهم من الحبشة الموطن الأصلي للبن ،كما عرف العراقيون الشاي في عهد والي بغداد العثماني مدحت باشا (1869 ــ 1872 م) ،إلا أن استعماله لم يأخذ مداه الواسع في وسط المجتمع إلا في نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918 م)،ويبدو أن بداية انتشاره اقترنت باستعمال القوات البريطانية له عند احتلال العراق.أما في مصر انتشر الشاي فيها وقت دخول الإنجليز للبلاد عام 1882م،بفضل تشجيع شركة الهندية الشرقية البريطانية التي أسسها” روبرت بروست سنة 1834 م.
ويقال أيضا أنه حين وصل العرب بلاد الفرس عن طريق الغزو ،تعرفوا على آنية “السماور”(وعاء كبير يحتفظ بالماء الساخن له سنبور يوضع فوقه إبريق الشاي ليغلى بواسطة البخار).الذي كان وصل إلى الفرس عن طريق روسيا القيصرية ،ومن خلال الرحلات والأسفار ،انتشر استعماله في جل المناطق العربية والإسلامية ،و أن الأتراك تبنوه وتبع توسع أمبراطوريتهم في شبه الجزيرة العربية ،إلى أن وصل شمال إفريقيا حتى حدود المغرب شرقا .
أما في الوطن العربي ،وحسب ما ذكره العالم المسلم أبو الريحان البيروني في كتب رحلاته ،دخل الشاي هذه المنطقة في القرن 18 . وانتشر بهذا القطر في منتصف القرن 19 بصفة المعروفة الشاي الأخضر، أو ما يسمى بأتاي في بلاد المغرب العربي، أما باقي شعوب المنطقة عرفوه متأخرا كل حسب جغرافية منطقته ومعاملاته التجارية .
وتفيد بعض المعطيات أن دخول الشاي إلى تونس تم على يد الليبيين الذين طردوا من بلادهم خلال الحرب الإيطالية / التركية، فقد أخذت العائلات المهاجرات معها اللوازم الضرورية لتحضير الشاي وقت العودة إلى أرض الوطن، (عن مقال للباحث الفرنسي E.GOBAT 1940 ).
وعن أول الإشارات إلى الشاي في المخطوطات العربية ،ما وجد لدى الرحالة الشنقيطي أحمد المصطفى في رحلته إلى الحجاز مارا بليبيا سنة 1831م ،حيث لم يذكر الشاي بها ،وإنما ذكره في الجزائر التي احتلت من طرف فرنسا .لذلك يرى المؤرخون أن الشاي دخل القطر الليبي في العصر التركي ،وظل مقتصرا على فئة معينة ،كالعائلة الحاكمة وبعض أشراف البلاد ،وهو ما تؤكده مريم خليفة (من قساطو ) أن شراب هذه المادة دخل ليبيا في عهد الاستعمار الإيطالي التركي ،كان يتناوله يعد عيبا مثل شرب الخمر والتدخين ،وبعدها أصبح مباحا للرجال دون النساء.،واستمر الوضع كذلك حتى دخل الانجليز، وانتشر في ربوع الوطن لكن ثمنه ظل باهظا ،مما جعل المقايضة لشرائه ببعض البضائع النادرة تغزوا البلاد.وفي هذأ الصدد يشير الرحالة المصري أحمد محمد حسنين أنه التقى بإدريس السنوسي في القاهرة عام 1915، ،وأطلعه على أن ابن علي السنوسي مؤسس الطائفة السنوسية في ليبيا حرم شرب القهوة والخدان ولم يحرم الشاي.غير أن المؤرخ الليبي محمد بن سعود فشيكة أشار إلى أن ايطاليا أصدرت أوامر سنة 1922م بمنع تصدير الشاي والقهوة والسكر والأقمشة من المدن الساحلية إلى داخل ليبيا ،وهو ما شجع بعض التجار إلى السفر إلى مصر وتونس لاستيراده ومبادلته بالماشية.
وبخصوص موريتانيا يعتقد بعض المؤرخين ،أن الشاي ظهر بها خلال ق 19 م ،ومن بين هؤلاء الباحث الفرنسي “ألبير لريش “الذي رجح دخول هذا المشروب إلى موريتانيا في الفترة ما بين( 1858 و1875م)وصل عبر السفن الهولندية والبرتغالية الراسية بشواطئ المملكة المغربية أو إسبانيا.ودخل المشروب فقه التوازن عند الفقهاء ،واختلفوا في شأنه بين محرم ومحلل ،حيث كان تناوله حكرا على النخبة وكبار التجار والوجهاء ،ولا زال شربه شائعا بين كل الفئات الموريتانية .
وفي المغرب والثابت لدى المؤرخين حسب ما أورده عبد الحي السبتي وعبد الرحمان لخصاصي في كتابهما : “من الشاي إلى أتاي ــ العادة والتاريخ” أن الشاي اشتهر في المغرب أواخر القرن 18 م بعد أن قدم مبعوثون أوربيون هدايا للسلطان مولاي إسماعيل تمهيدا لإطلاق سراح أسرهم المسجونين بالمغرب ،كانت من بينها أكياس شاي وسكر،وأصبح الشاي مشوبا نخبويا يقتصر تداوله في أوساط الدوائر العليا للسلطان وحاشيته والعائلات الميسورة .،ولم يتحول إلى شراب شعبي إلى أواسط القرن 19م ،
وغني عن البيان أن طرق وإعداد هذا المشروب السحري تختلف من بلد إلى أخر ،داخل العالم العربي والإسلامي ،وأصبح غير محرم ولا منتقد في أي مجتمع ،لذلك سمي في هذه الأقطار بخمرة المسلمين.
ويمكن الجزم بأن الشاي حديث النشأة في الجزيرة العربية ،وكان يسمى في ضواحيها ” الجاي “بالجيم الفارسية ،ولما كثر تداوله في الأقطار الحجازية والمصرية ،استبدل العرب جيمه شينا فقالوا الشاي ،وبعضهم زاد حرف هاء مكسورة “شاهي”،فيما استبدل أهل المغرب جيمه تاء مسبوقة بهمزة فسمي ” أتاي ” إلى العصر الحاضر.