المدرسة هي البيئة الاجتماعية الثالثة، تلعب دوراً مهماً في حياة المراهق، فهي أساس ارتقائه بالمستوى العلمي والمعرفي والثقافي، والعلم والمعرفة أمضى سلاح لمقاومة الغلو والانحراف الفكري والتطرف، والجهل يعد أرضية خصبة لتقبل الأفكار الهدامة، والتعليم الهادف يوسع المدارك وينير العقول ويفتح آفاق المعرفة، وهو بهذا الشكل يمثل أحد عناصر التوازن في شخصية الفرد.
وفي المدرسة تتأسس للطفل علائق اجتماعية مع زملائه ،والإطار التربوي من إداريين وأساتذة ومعلمين، لهذا السبب كان للمدرسة دور خطير في حياة الطفل ومستقبله العلمي والمعرفي والسلوكي، فهي تستطيع أن ترتقي به وتجعله نافعاً لذاته ومجتمعه إذا أدت دورها التربوي بطريقة سليمة وتمنع عنه الانحراف، وتستطيع أن تجعل منه شخصاً غير متوازن في فكره وسلوكه، مهدداً بالجنوح والانحراف إذا أخلت برسالتها التربوية ولم تهيئ له الظروف الصحية لتحصيل العلم واكتساب المعرفة، فالتعليم الإيجابي والمعتدل ينشئ أجيالاً سوية معتدلة، وللمدرس دور مهم في تربية الناشئة على الفكر الديني المستنير ،القائم على الاعتدال والوسطية والتسامح، فالمدرس وهو يباشر مهنته المقدسة يمكنه أن يؤدي دوره الأساسي في إعداد الناشئة على منهج الاستقامة وإكسابهم عادات إيجابية وقيم وسلوكيات حسنة، أو تقويمهم وتحسين سلوكاتهم وعاداتهم، فالمدرس يقع عليه عبء إنارة العقول وتنمية روح النقد البناء ،وتدريب الطلاب على قيم الإبداع والإضافة، وكل ذلك بالتنسيق مع الأسرة التي تتابع منظورها في مواظبته لدراسته وملازمته للصحبة الجيدة، فالمربي ذو الشخصية المتميزة ،والمشهود له بالكفاءة العلمية والالتزام الخلقي، يعتبر نموذجاً للمربى يتأثر به سلباً وإيجاباً، وكم من سلوكيات حميدة اكتسبها من مربيه، فغياب القدوة الصالحة في المؤسسة التربوية يؤدي حتماً إلى فراغ في عقلية الطلبة ،مما يسهل عليهم استيعاب المبادئ المتطرفة.
ولما كان للأسرة الفضل الكبير في إكساب الطفل الثقة بإمكاناته وقدراته ،وبث روح الثقة والعزة في النفوس وإعلاء قيمة الإبداع. أما المدرسة يبقى دورها تكميليا في هذا السياق، فالمدرس إذا كان يتوخى طريق التلقين والإملاء ،فإنه يميت في طلبته الرغبة في المشاركة الفاعلة في الدرس، ويلغي حرية التعبير ويقضي على فنون تحصيل المعرفة الذاتية؛ لأن التلقين مهما كان شكله، فهو مرفوض يعود الفرد على السلبية.
فالمعرفة لا تتحقق بالتلقين ،وإنما تتحقق بالاستجواب والتوليد والملاحظة والاكتشاف واحترام العقول التي تحسن التصرف، وبذلك يشعر الطالب بكيانه فيتحفز على الإبداع والريادة والتفوق .
ومن هنا، كان للمنظومة التربوية دور أساسي في إشاعة قيم الوسطية والاعتدال، ونبذ العنف والتطرف، ونشر مبادئ الحوار بين الحضارات والتفاعل معها بإيجابية ،مما يتوجب تضمين مواضيع الاعتدال ،ونبذ العنف والتطرف في التصرف والتعامل ،ودعم منطلقات الحوار الديني والثقافي في البرامج التربوية لتنشئة الأجيال على قبول الآخر والاستعداد للتعايش معه في كنف السلم والأمن والأمان رغم الاختلاف، وهذا يقتضي تجديد الفكر التربوي، بإعادة النظر في الأهداف التربوية ومحتويات البرامج التربوية، وأن تكون بعيدة عن الغموض والإبهام، مع إصلاح وتطوير المناهج التعليمية ومراجعة الكتب المدرسية لاستبعاد ما فيها من أفكار مسبقة حول الثقافات الأخرى، أو من معاني الاستعلاء الثقافي واستنقاص هذه الثقافات ، فالمناهج الجامدة تسبب عزوف الطلبة عن تحصيل العلم، والمواد ذات الطابع التراثي إن لم يحسن توظيفها وتنقيتها من المواقف العدائية والتركيز على قيم التسامح والحوار والمعصرة، فإنها تنشئ الطلبة على مواقف مناهضة للآخر، والرغبة في الانطواء قد يكون ذلك دافعاً نحو التطرف. فقيم الوسطية والتسامح وقبول الآخر والرغبة في التعايش السلمي ،تحتاج إلى مبادرات عملية من خلال برامج التعليم في مختلف مراحله لتربية الناشئة على احترام الرأي المخالف والثقافة المغايرة وتأصل عقلية المثاقفة والتحاور.