تسيير عشوائي و كتب قديمة متجاوزة يعلوها الغبار تؤسس للعزوف عن المطالعة وتفسد متعة القراءة لدى التلاميذ
قلق بالغ ينتاب الأطر التربوية والإدارية والتلاميذ ،حول ما آلت إليه أوضاع المكتبات المدرسية في السلكين الثانوي الإعدادي والتأهيلي، ودورها في بناء التلميذ ثقافيا ،وتحسين قدراته معرفيا .
وخلال مناقشتهم للموضوع الذي أصبح يؤرق بال كل متتبعي الحقل التعليمي ، شخصوا وضعية هذه المكتبات الدراسية ،ووضعوا سؤالا عريضا مفاده :هل يمكن اعتبار برامج وزارات التربية الوطنية المتعاقبة توفقت إلى حد ما في وضع الأسس الصحيحة لتوفير مكتبة مدرسية متكاملة ،تساهم في الارتقاء بالبعد التربوي والتثقيفي ،وتحسين مدارك ومعارف التلاميذ ،من خلال الاطلاع على مختلف الكتب المعرفية المتوفرة بالمكتبة المدرسية.؟
وقد انتقد هؤلاء المتتبعين الحالات المزرية التي تعيشها هذه المكتبات التربوية ،وأكدوا أن الارتقاء بهذا الفضاء المعرفي ،يهم كل العاملين في الحقل التعليمي ،إلا أن ما يطمحون إليه ،هو تمكين هذه المؤسسات من آليات الانتقال من مكتبة مدرسية تقليدية ،إلى فضاء متنوع الاختصاصات من نوع مركز التوثيق والإعلام ،يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات النظام التعليمي ،والاعتماد على العنصر البشري الكفؤ ،بالإضافة إلى التجهيزات الأساسية الحديثة، لإنجاز المشروع التربوي الذي يزاوج بين مهمتي التثقيف والتوثيق، الذي من شأنه أن يساعد التلاميذ والتلميذات على ارتياد فضاء المكتبة ،ويساهم في إثراء التعليم الذاتي ،وتنمية المهارات وتوجيهها ،وتشجيع المنافسة في عملية التعلم والتحصيل والإدراك.
ولعل من بين المعيقات التي وقف عليها هؤلاء رجال التعليم ،أن الخدمات التي تقدمها المكتبات المدرسية اليوم ، تبقى دون الهدف المنشود ،الذي من أجله أحدثت ،والبداية تكون منذ تعيين المسؤول أو القيم عنها ،ذلك أن تسييرها في الغالب ما يسند إلى أشخاص كانوا يزاولون مهام التدريس بالأقسام ،ولسبب من الأسباب صحية أو شخصية كانت ،تم تكليفهم بمهمة قيم على هذه المكتبات ،على اعتبار أنهم أصبحوا غير قادرين على مزاولة مهنة التدريس ،وتخلصت منهم الإدارة برميهم في هذا الفضاء ،الذي أصبح يتنافس عليه بعض نساء ورجال التعليم على اعتبار أنه مجال يوفر الراحة ، ما لم تتدخل بعض الجهات لترجيح كفة هذا أو ذاك للظفر بالمنصب. علما أن التعيين للعمل داخل المكتبات ،لا يخضع لأي معيار بيداغوجي أو معرفي ،ليبقى التسيير العشوائي والمزاجي حاضرا في بعض المؤسسات إن لم يكن في جلها ،أضف إلى ذلك عدم توفر بعض المؤسسات على بناية خاصة بالمكتبة، محققة للشروط من مثل الموقع المناسب ،والمساحة ،والظروف الصحية ،وغياب معايير مباني المكتبات ، ضمنها قاعات للمطالعة مكيفة بتهوية و إضاءة كافية. و حتى إن توفرت يبقى غياب الكتب الجديدة والتجهيزات الإليكترونية غير حاضرة بالمرة ، غير أن هناك استثناءات في بعض البعض من المؤسسات التربوية التي تتوفر على أشخاص من ذوي الاختصاص وهم أقلية .بالإضافة إلى عدم ملاءمة محتويات المكتبة مع تطلعات التلاميذ ، ومستوياتهم الفكرية والمعرفية ،إما لقدمها أو لعدم مسايرتها للفكر المعاصر ،وما يتطلبه من معلومات محينة ،وأفكار عصرية متطورة.
كما أن هناك أسبابا أخرى تعيق تطور المكتبة توفرها على كتب مدرسية لمقررات دراسية متجاوزة ،مبعثرة فوق رفوف يعلوها الغبار ،مما يؤسس للعزوف عن المطالعة لدى جميع التلاميذ والتلميذات ،مما جعل هؤلاء يحرمون من متعة القراءة ،وتعويذهم الاعتماد على النفس والتعلم الذاتي ،وتوسيع مداركهم وغير ذلك من المهارات التي تساعد على مواصلة المسيرة التعليمية .وبخصوص عدوانية التلميذ وانتقامه من هذا الفضاء ،فالبعض لا يكلفون أنفسهم عناء إرجاع الكتب المستعارة، وإن أعادوها تكون قد طال صفحاتها التمزيق والتلف.
ونتيجة لتطور مفهوم الرفع من النهج والمناهج الدراسية ،وبناء الفرد ثقافيا ،لجعله قادرا على الصمود أمام التغيرات القائمة ،لمواجهة التيارات الشبه ثقافية الهدامة ،ومحاربة الهدر المدرسي . أصبح لزاما تكوين وتأطير هؤلاء القيمين على المكتبات، وتحفيزهم للقيام بهذه المهام ،التي لا تخلو من صعوبات أمام عصر الانتشار الثقافي عبر البوابات والمواقع الالكترونية ،ووضع حد لترسبات عقلية مازالت تعتبر المكتبات مستودعات لكتب المقررات ،مع ضرورة تسريع وثيرة الحداثة ،عن طريق مداركة ما يستجد من الآليات والمعدات ،وتوفير فضاءات خاصة بإقامة المكتبات وتجهيزها بأحدث وسائل الاتصال ، كي يتمكن التلميذ من التواصل مع بنوك المعرفة ،التي تعددت وتطورت وتدخلت فيها التكنولوجيا ،التي أصبحت من الأسس التثقيفية ،والحضارية التي نالت اهتمام جميع الأطر العاملة في الحقل التعليمي ،حتى يتسنى المرور إلى عمل تربوي تثقيفي هادف ،ومنها الانتقال إلى الرفع من مردودية التعليم والوقوف سدا مانعا في وجه الهدر المدرسي .