بداية يجب أن الإقرار بأن المجتمع الذي ينظر إلى العمل الجمعوي نظرة ازدراء وعداء وتهميش ،هو مجتمع محكوم عليه بالشلل ،لا يرجى منه أي نفع لا حالا ولا مستقبلا ، على اعتبار الخسارة التي تتسبب فيها تلك النظرة المختلفة للجمعيات بمختلف أبعادها الثقافية والرياضية والاجتماعية والفنية .وخاصة تلك التي تعانق البعد الإنساني الخالص ، وتسعى إلى رعاية الأفراد المحتاجين ماديا ومعنويا ، والتخفيف عنهم من وطأة هذا الزمن الغادر الذي لا يرحم . ويجب الإقرار كذلك بأن أي فعل جمعوي إذا ما توفرت في القائمين عليه شروط ومواصفات نبيلة هو عمل مطلوب ، يجب دعمه وتشجيعه وقد عرفنا أنشطة وأعمالا جليلة قامت بها بعض الجمعيات ، عجزت الحكومة عن القيام بها ، لما يتيحه العمل الجمعوي من إمكانات التواصل والتآزر، والتعبئة وسهولة التحرك ، قد لا يتوفر للجهات الرسمية ،لما يكتنف عملها عادة من تعقيدات مسطرية ، ومثبطات إدارية عقيمة ،تكون في كثير من الأحايين السبب في بطء التنفيذ بل إجهاض العمل نفسه..
وقد عرف المغرب في الآونة الأخيرة ، حركية في تقوية وتوسيع النسيج الجمعوي ،الذي يستقطب الأفراد للانخراط في أعمال وأنشطة جماعية تطوعية في مجالات متعددة ، لتحقيق أهداف مجتمعية ،باستقلال عن الدولة ،على شكل تنظيمات مستقلة ذاتيا ،وجدت أساسا لتكون صلة وصل بين المجتمع والدولة ،وهي في قوانينها الأساسية تركز على عدم الربحية تسعى إلى تحقيق منافع أو مصالح للمجتمع ككل أو لبعض فئاته المهمشة ، أو لتحقيق مصالح أفرادها ، ملتزمة ومعايير الاحترام والتراضي ، والإدارة السلمية للاختلاف والتسامح وقبول الآخر.
وتفيد بعض الإحصائيات أن عدد الجمعيات المرخصة لها قانونا بالمغرب ناهزت حوالي 200 ألف جمعية ، غير أن النسبة الفاعلة في الميدان لا تتجاوز نسبة 15 في المئة ،مما يفضي إلى مساءلة الواقع حول المناخ العام الذي تشتغل فيه هذه الجمعيات ، بالنظر إلى ضعف الإمكانات المادية واللوجيستيكية ،ومدى تأثيرها على القيام بالأدوار المنوطة بها ، للمساهمة في الرفع من قدراتها ،وتعزيز أدوارها ، وجعلها رافعة حقيقية للتنمية وقوة اقتراحية أساسية ،تسهر على استكمال في حدود الإمكان ما عجزت عنه مؤسسات الدولة.
ولنا في جمعيات وطنية جادة ، وذات إشعاع لا ينكر خير دليل على وجوب مساندة ودعم كل عمل جمعوي هادف ،ينشد المصلحة العامة ،و لا أعتقد أن إثنين سيختلفان حول صحية ظاهرة انتشار الجمعيات وضرورة تشجيعها ،ولكن علينا الا ننخدع ” فما كل ما يلمع ذهب ” كما يقول المثل الفرنسي .فقد نجد بعض هذه الجمعيات التي تظهر هنا وهناك على كثرتها، متسترة وراء أهداف إنسانية نبيلة ومرام سامية ونظيفة ، ولكن ما أن يحصل بعضها على ترخيص نهائي، حتى تزيل القناع وتبين نواياها الدنيئة ، وأهدافها الرخيصة .إذ يبدأ الطواف في كل الاتجاهات والذي لا ينتهي من أجل الحصول على موارد مالية ،وامتيازات بدعوى إنجاز أعمال أغلبها وهمية ،مما ينتج عنه الخلط والخليط سواء على المستوى التنظيمي أو الممارسة الفعلية ، مع تسجيل عدم الانسجام في سلوكيات ومسارات البعض منها في أماكن عدة ،أضف إلى ذلك أن هناك مجالس منتخبة تريد الاستحواذ على هذه الجمعيات بشتى الطرق حيث تحولوها إلى هيئات سياسية في ثوب جمعوي ، تقدم خدماتها تحت الطلب مقابل الدعم ،وتفرض عليها موضوعات لا يبدو أنها تشكل أولويات للمجتمع .لذلك جعلت الجهة المانحة الجمعيات تتبعها في توجهها وسياساتها ،وصارت هذه الجهات توجه الجمعيات وتؤطرها حسب ميولاتها إلى أن تصبح أداة طيعة في التأثير في العمليات الانتخابية ، وهو ما أفقدها استقلالها ومصداقيتها . وأمام هذا الوضع الشاذ يبقى المطلوب من الجهات المعنية والمسؤولة بعد تسليم الترخيص النهائي ، أن تتابع عن كثب أعمال وأنشطة هذه الجمعيات المرخص لها ، وأن تتخذ اللازم في حالة وقوفها على خروقات وتجاوزات ، وأضعف الإيمان ،أن تسحب منها الترخيص إلى غير رجعة من هؤلاء المرتزقة والمتسولين وما أكثرهم ،وبهذا ستدخل “آلة التطهير” إلى حديقة العمل الجمعوي لتنظيفها من كل الطفيليات والأعشاب السامة ، التي تفقد العمل الجمعوي مصداقيته ورسالته النبيلة التي من أجلها أُحدث .