ظاهرة الاعتداء على ، نساء ورجال التعليم ، مسمار آخر يدق في نعش منظومة التعليم ببلادنا، ويدحرها إلى الحضيض، ويجعل إعادة النظر في المنظومة ككل ، مطلبا أساسيا نتمنى أن يحظى بالاهتمام الكبير من لدن لجنة النموذج التنموي الجديد.
فبعدما كاد المعلم أن يكون رسولا، أصبح في عصرنا الحاضر يعاني من إكراهات كثيرة، من بينها انعدام الأمان في محيط التدريس، إذ بالإضافة إلى تقهقر المستوى التعليمي ،وتعاقب المناهج والبرامج التعليمية وما رافق ذلك من جدل ونقاشات بين المؤيد والمعارض في صفوف الجهات الفاعلة في القطاع، وجدل من قبل الشارع المغربي، وبعد إحداث نظام التدريس بالتعاقد وحيثيات وتبعات هذا الموضوع لازالت طاغية على الساحة، زاد من تفاقم الوضع، الاعتداءات المتكررة على نساء ورجال التعليم، وقد أصبح الوضع شاذا يتطلب تشريحا دقيقا من طرف مختلف الفاعلين، من رجال الأمن وأطباء ومسؤولي القطاع، من أجل احتواء الظاهرة التي استفحلت بشكل خطير، أصبحت معه معظم المؤسسات التعليمية ملاذا للعنف، ومختبرا لتفجير المكبوتات النفسية للتلاميذ، هذه الفئة التي لا تنفك تعزل المحيط الذي تعيش فيه عن مؤسسة تربوية تعليمية تثقيفية بإمكانها الخروج بالتلميذ من نفق المشاكل التي يعيشها في محيطه الأسري، أو في البيئة التي يعيش فيها، على اعتبار أن أغلب التلاميذ المعتدين على أساتذتهم ينحدرون من أحياء هامشية، يذهبون إلى مدارسهم محملين بكم هائل من النواقص (مشاكل أسرية، فقر…)، هذه المشاكل التي تتحول إلى عقد نفسية ي، زيدها تعقيدا تعاطي بعضهم للمخدرات في سن مبكرة، مما يجعل التلميذ يدخل للفصل الدراسي مشحونا قابلا للانفجار في أي لحظة، وبما أن هذا التلميذ “غير السوي” لا يتقبل وضعه الاجتماعي ، ووضع أسرته المادي، فهو طبعا يحمل في نفسه عقدة عدم تقبل الآخر، وبالتالي، أصبح من الطبيعي أن يكون سلوكه عدوانيا تجاه كل من يتعارض معه في أفكاره، ليكون المدرس ضحية لطباع التلميذ ولوضعيته النفسية.
فبدلا من أن يقوم التلميذ للمعلم ويوفيه التبجيلا، يقوم عنده ويوجه إليه بعض اللكمات إن لم نقل الطعنات التي قبل أن تؤذي المدرس، فهي تؤذي جسم التعليم ككل، وتؤذي معه القطاع الذي يربي ويعلم ويدرس ويخرج لنا أساتذة وأطر تربوية وأطباء وقضاة ومحامون وغيرهم، وقبل كل هذا، يعطينا إنسانا واعيا بإمكانه حمل مشعل الرقي والتقدم، بل أين هي مكانة التعليم عندما أصبحنا نرى من هم جديرين بالاحترام والوقار بعد الوالدين يهانون ويضربون في الفصول الدراسية أمام أنظار التلاميذ أنفسهم ؟
لقد أثارت مختلف المنابر الإعلامية هذا الموضوع، الشائك ، وتداولته مختلف البرامج التلفزية، وتفاعل معه المجتمع المدني، لكن لحد الآن، لم يتم وضع اليد على مكمن الخلل، ولم يتم وضع حد للاعتداءات المتكررة على الأساتذة من قبل تلاميذ منحرفين، إذ تتم معالجة المشكل أمنيا ، أو يتم زجر المعتدي بالفصل من الدراسة. وهذا ما يتنازل عنه الكثير من الأساتذة مراعاة لظروف التلميذ. لكن المشكل يبقى أكبر من أن يعاقب التلميذ وكفى، بل المشكل اجتماعي نفسي محض، القضاء عليه لا يخرج عن استئصال الظاهرة من جذورها، أي معالجة مجموعة من المشاكل والاختلالات المجتمعية ، التي تبقى الرافد المغذي لنزعة العنف في نفوس المراهقين، أما إذا تم طرد التلميذ، فالشارع يستقبله بالحضن الكبير، وينمي فيه ما بدأه في المؤسسة التعليمية، وإذ ذاك لا يمكن التحكم في شخص مغضوب عليه من مدرسة ، هو طبعا غير واع وغير مدرك لسلوكاته، بل إنه في ما يقوم به يؤمن أنه يفعل الصواب. وهنا تشابكت الخيوط، وتأزمت العقدة، والبحث عن حل لها يتطلب المزيد من تظافر الجهود، كل من مسؤوليته ومنصبه، وهنا لا أستثني الأساتذة، المطالبين أيضا بتغيير منهجيات التدريس وكيفية التعامل مع مثل هؤلاء التلاميذ حتى لا نجد أنفسنا في يوم من الأيام نصلي صلاة الجنازة على التعليم.