مستجدات

ظاهرة انتشار المقاهي الأسباب والدوافع 2/2

[ALLNEWS]3 ديسمبر 2021
ظاهرة انتشار المقاهي الأسباب والدوافع 2/2

أسباب اجتماعية واقتصادية:

أوضحت العديد من البحوث الاجتماعية الميدانية أن معدل البطالة بات يتفاقم يوما عن يوم في السنوات الأخيرة، والأدهى في كل ذلك أن البطالة شملت حتى حاملي الشهادات العليا.. فهذه الأفواج الجامعية التي تتخرج سنة بعد الأخرى دون تلقي مناصب عمل لاستيعابها ساهمة هي الأخرى في تزايد انتشار المقاهي بالمدن والقرى… فالشاب العاطل سواء كان مثقفا أو أميا لا ملاذ له من التسكع بين الدروب ومن الألسنة اللاذعة التي لا ترحم أحدا إلا الجلوس في المقاهي والاختفاء بها لساعات طوال حتى ولو تعرض أحيانا لاستفزاز من النادل أو رب المحل خاصة وأنه يشغل كرسيا ويقبع عليه حتى يتأفف منه هذا المخلوق الخشبي نفسه.

ولا أود هنا التطرق إلى الحديث عن محنة فنجان القهوة والسيجارة، وقراءة الجرائد باستعارتها من الزبناء والميسورين، والموت السيكولوجي الذي ينخر أعماقهم في كل لحظة تمر من عمرهم.

وما تجدر الإشارة إليه هنا، إذن، هو أن البطالة عوامل قوية في تشجيع المقاهي ودور اللهو.. فنزوح القرويين إلى المدينة يزيد الطين بلة بحيث يزداد الإقبال على هذه الدور العمومية التي توفر لرائدها مقعدا يضيع عليه وقته الضائع مقابل درهمين ونصف.. وقد تصبح هذه المقاهي كذلك مرتعا خصبا لترويج المخدرات وبيعها فتغدو بالتالي صلة وصل بين البائعين والمستهلكين مما يؤدي أحيانا إلى شجارات عنيفة تستعمل فيها الأسلحة البيضاء.. وبائعات الهوى، هن بدورهن وجدن في المقاهي خير ملجأ للاحتماء من الأمطار الغزيرة والرياح القوية والبردة القارس، ومحل مناسب “لاضطهاد” الزبناء..

هناك أيضا أسباب اجتماعية أخرى كانعدام التفاهم المزمن في بيت الزوجية الذي يصبح، بالنسبة للبعض من الرجال، جحيما، لا يطاق، فيضطرون إلى هجره، ولو لبعض الوقت للقاء الأصدقاء والترفيه عن النفس…

كما أن المقاهي بالنسبة للبعض الآخر من الناس أضحت محطة مواعيد تحصل فيها لقاءات مختلفة لتدارس برنامج ما أو حل مشكلة ما أو ربما أحيانا – وهذا الأسوأ ما في الأمر – التأمر ضد شخص معين أو تحديد ثمن صفقة ما وفي مثل هذه الأحوال تصير المقهى نقطة وصل بين السماسرة والزبناء.

أما بخصوص الدوافع الاقتصادية لتفاقم ظاهرة المقاهي فهو الجري وراء الربح السريع سيما وأنه مشروع مربح، ولا داعي هنا للتذكير بأثمنة المشروبات المبالغ فيها خصوصا في بعض المقاهي المصنفة التي يصل فيها ثمن فنجان القهوة أحيانا إلى سبعة دراهم علما بأن فنجان قهوة أو كأس شاي أصلا لا تتعدى تكلفته الإجمالية درهم واحد أو درهم ونصف على أكبر تقدير.. أنه استثمار وإن كان مربحا لصاحبه، فهو ليس كذلك بالنسبة لاقتصاد البلاد، فسير العمل داخل المقهى لا يتطلب الكثير من اليد العاملة، وحتى وإن تطلب ذلك في بعض مقاهي “العظمة واللوكس” فأؤكد مرة ثانية على أنها يد عاملة تستغل أبشع استغلال، وتمارس عليها استفزازات وضغوطات نفسية من طرف “الباطرون”، ومن كان في حاجة إلى إثبات فلينظر إلى حالة النادلين المزرية، وليسألهم عن أجورهم الشهرية، فأنا شخصيا كثيرا ما لاحظت نادلا تنقل في العمل بين العديد من المقاهي، كيف يمكن أن نفسر هذا النوع من التنقل إذن. إن لم نفعل فاعل مشين ومكروه…

قلت عامل البحث عن الربح السريع بأي وجه كان هو السبب في تفكير بعض المستثمرين في إحداث مقاهي على امتداد مختلف الطرق الرئيسية بالبلاد، وهنا لابد من التذكير بمدى الاستغلال المفرط الذي يمارس على جيوب المواطنين المسافرين، وعلى الاستهتار بصحتهم، فغياب الجودة في المواد الاستهلاكية التي تقدم طازجة للزبون.. فلحم الشاة يباع بثمن الخروف، وحليب المسحوق يباع باسم حليب البقرة الطري، أما نوعية القهوة التي تقدم للمستهلك فذاك موضوع يدخل فيه عامل الخلط و”الجلط”.

وفي غياب المراقبة اللازمة لسير الأعمال بهذه المقاهي وللابتزاز الذي يمارس على الزبون وللربح السريع الذي يجنيه أصحابها سنويا إن لم نقل شهريا، نمت طبعا ظاهرة المقاهي واتسعت بشكل فظيع، وأخذ بالتالي الكل يفكر في مشروع بناء مقهى أوسع وأجمل من مقهى منافسة، أما الجودة فهي آخر شيء.

عواقب ظاهرة انتشار المقاهي:

لا أبالغ إذا قلت أن عدد المقاهي ببلادنا أضحى رقما قياسيا عالميا دون منازع… وهذا دليل صريح على قمنا نملك من الوقت الفارع أكثر من القدر المرغوب فيه.. فتواجد المقاهي في كل مكان، وتقاطر الناس عليها خير مؤشر على أننا من المستهلكين الأوائل ليس لمادتي البن والشاي فحسب بل الوقت أيضا.. بصراحة الوقت لم تعد له القيمة المعهودة له، أيام كان المواطن المغربي يتطلع إلى ساعة فراغ يذهب فيها إلى مقهى محدد ليلتقي فيها بالأصدقاء ويرفه عن نفسه من متاعب العمل اليومي، وينسى هموم الدنيا باختلاف أشكالها وألوانها.. وينصت إلى النكتة والأحاديث وعبر.. فكنت وقتئذ ترى المقهى وتكاد تكون فارغة خلال أيام الأسبوع باستثناء يومي السبت والأحد وأيام العطل والأعياد…

أما اليوم فوقتما مررت بجانب مقهى معينة إلا ورأيتها مكتظة عن آخرها بالزبناء، وكان هؤلاء لا شغل لهم إلا لعب الورق و”الدومينو” والدردشة.

أما وإن توقفت الأمور عند هذا الحد، فلا بأس، لكن إن تتعداه إلى ما هو أرذل وأبأس فذاك ما يقتضي إعادة النظر في الظاهرة وعواقبها..

وهنا لابد من التذكير أيضا بعامل النظافة الذي يكاد يكون منعدما في العديد من المقاهي، وحتى وإن ظهر البعض منها بمظهر لائق فما خفي أعظم، ويحضرني اللحظة التشبيه الذي أشار إليه جورج أرويل، الروائي الإنجليزي الذي وصف فيه المقهى بجسم إنسان يبدو في مظهره أنيقا ونظيفا لكن تتوسطه أمعاء غليظة مملوءة بما نتزه عن ذكره، والإشارة هنا إلى الحالة المرئية التي توجد عليها مطابخ المطاعم والمقاهي دون استثناء..

فمن منا لم ير النعناع و”الشيبة” يقطعان كما أوتي بهما من الحقل ليوضعا في كؤوس الشاي التي تقدم للزبون مشروبا ساخنا يؤدي ثمنها درهمين ونصف غير عابئ بما قد يسببه له ذلك المشروب من ضرر أو تسمم.. ومن هنا لم يلاحظ التلوث الذي يطغى على فضاءات المقاهي سواء بدخان السجائر أو بأعقابها أو بدخان المحظورات أحيانا. وقبل أن أختم هذا العمل المتواضع أود أن أشير كذلك إلى أن عدم توفر المراكز الثقافية ودور الشباب والنوادي الرياضية والموسيقية بالشكل الكافي سواء بالمدن أو القرى شجع هو الآخر على انتشار ظاهرة المقاهي ببلادنا بشكل مثير.(انتهى)

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي