بسعادة غامرة، وأفراح قائمة، تعمُّ أرجاء البلاد، احتفالات ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، بطلها الراحل الملك الهمام جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، ويأتي بعده الابن الشهم جلالة الملك محمد السادس ليتمم المسيرة بإصرار وعزيمة. ليقود تحولات عميقة وهيكلية منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين عام 1999.
وعلى مدى 22 عاماً، من حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس، قاد إصلاحات كبرى أحدثت تحولات عميقة وهيكلية، شملت مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والحقوقية.
وجاءت هذه المسيرة التي حفلت بقائمة طويلة من الإنجازات والنجاحات النوعية. والتدخلات والعمليات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس، في جميع القطاعات في إطار الانخراط الشخصي لجلالة الملك، والاهتمام الكبير الذي يوليه لعملية تأهيل البلاد والاستباقية ،لتحديث المجتمع في مختلف مناحي الحياة، ترمي جميعها في تدعيم المسلسل الديمقراطي ، وبناء دولة القانون والحداثة وتعزيز حقوق الإنسان، ومن بين السمات التي طبعت فترة حكم محمد السادس، هي طي صفحة الماضي وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، وتحقيق التنمية الشاملة على كل المستويات والأصعدة.
هذه السياسات الملكية المتعاقبة، جعلت المغرب يحتل اليوم مكانة متميزة على المستوى الإقليمي والدولي. ، وذلك بفضل التعليمات الملكية السامية، والتي مكنت أيضا من إرساء مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي، وتحقيق منجزات حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل الوصول إلى مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة، حيث حرص جلالته على جعل مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي كأولوية تتصدر اهتماماته، إذ جعل من تدعيم الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها وتدعيم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، خيارا استراتيجيا يندرج في إطار مشروع إصلاحي شامل يرتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله.
وبخصوص الإصلاح الدستوري، تبنى المغرب في عهده دستورا جديدا منذ سنة 2011، والذي يشكل اليوم الإطار الدستوري الذي يؤطر النموذج الديمقراطي الحداثي التنموي المغربي المتميز، ويشكل تعاقدا تاريخيا جديدا بين العرش والشعب.
وفي هذا الإطار وبنظرة استباقية تم تنزيل الجهوية المتقدمة، التي ليست في منظور الملك مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية، فهي تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لاسيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة.
كما عمل جلالته على إطلاق العديد من الأوراش الاقتصادية الكبرى بأقاليمنا الجنوبية، بقيادته وإشرافه المباش ، حيث تم إطلاق العديد من الأوراش الكبرى ، سواء مشاريع البنى التحتية (الطرق، الموانئ، المطارات، القطار الفائق السرعة…)، أو برامج النهوض بقطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة البديلة.
ولم تأتِ هذه المسيرة الطويلة من فراغ، وإنما هي نتاج جهد نوعي وتخطيط متقن وعمل جاد، استمر لسنوات وسيستمر لأخرى بحول الله ، من أجل تحويل بوصلة بلادنا صوب عالم آخر أكثر تقدمًا وازدهارًا، يشعر به الجميع.
ومهما كتبنا عن هذه المسيرة فلن نوفيها حقها من الرصد والتقييم العادل والشامل لكل الإيجابيات التي شهدتها المرحلة، ولعل أبرزها قدرته ـ حفظه الله ـ على تجنيب البلاد الشرور والمحن، والابتعاد بها إلى نقطة دافئة، يشعر فيها الجميع بالأمن والسلام الذي يجعل المرء آمنًا على نفسه وماله وأسرته، وهي نعمة لا تساويها نعمة أخرى.
ولو جاز للزمن أن ينطق لتحدث عن السنوات الماضية بمنجزات كثيرة، تشير إلى ما شهدته المملكة المغربية من تقدم نوعي، وتطور استثنائي، كان العنوان الأبرز لمسيرة حافلة بالإنجازات الضخمة يصعب تدوينها في هذا الحيز الإعلامي وما زالت مستمرة بحول الله وقوته.
في العهد الزاهر لملكنا أطال الله في عمره ، رأينا بلادنا وقد تصدرت المشهد العالمي تارة، ومنطقة افريقيا تارة أخرى. ورسمت ملامح خطة انتعاش الاقتصاد الوطني ، الذي تأثر من جراء جائحة كورونا. وخلال هذه الفترة رأينا كيف تولى المغرب موقفًا إنسانيًّا، بلغ ذروته في الإيثار والتضحية، عندما عمل على الوقوف بجانب الدول الفقيرة في التصدي للجائحة، وتقديم المساعدات المالية والطبية لها. وهذا -من وجهة نظر المختصين أروع أمثلة يمكن أن تقوم بها قيادة دولة في العالم، تستحق لقب “القيادة الإنسانية”. ومرة أخرى رأيناه يقود قارة إفريقيا في حماية لكوكب الأرض في مؤتمر كوب 22، وتعلن مبادرات شتى، في إفريقيا ودول أخرى يمكن أن تجنيب الإنسان والنبات والحيوان مؤثرات التغير المناخي..
الإنجازات السابقة واللاحقة هي جزء يسير من برامج رؤية 2030، التي صاغها بجدارة ملك البلاد محمد السادس، ودعمها بكل ما تحتاج إليه، وتابع مسيرتها منذ الخطوة الأولى، وأمر بأن تُنفَّذ بكل دقة على أرض الواقع. وها هو المغرب اليوم يجني ثمار الجهود، في وطن قوي، راسخ الأقدام، شامخ الهمم، لديه من العزيمة والإصرار ما يكفي لبلوغ أقصى مراحل التقدم العالمي. ولم يكن ليتحقق هذا المشهد لولا حكمة وبصيرته، وإيمانه العميق بقدرات المملكة المغربية وإمكانات جيل الشباب، وقدرته على إجراء التغيير المطلوب بأفضل طريقة وأحسن أداء.
يحق لنا اليوم أن نفتخر نحن أبناء هذا الوطن، بما تحقق على الأيادي البيضاء للعاهل المفدى جلالة الملك محمد السادس ونباهي العالم بقيادتنا الرشيدة، ورغبتها الجادة في صنع دولة متطورة، كما يحق لنا أن نتفاءل بمستقبل أكثر إشراقًا، ينتظر أبناءها والأجيال المقبلة. وقبل هذا وذاك ندعو الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان في ظل قائدنا وربان السفينة جلالة الملك محمد السادس، وأن يحفظه ويجعله دخرا وملاذا لهذا البلد الحبيب، وأن يمتعه بالصحية والعافية وأن يطيل عمره حتى يحقق لشعبه ما يصبو إليه.