مستجدات

كيف سوّق المستشرقون صورةً خاطئة عن المرأة الشرقية؟

[ALLNEWS]15 سبتمبر 2021
كيف سوّق المستشرقون صورةً خاطئة عن المرأة الشرقية؟

انطلاقاً من مخيالهم حول الشرق، صاغَ المستشرقون صورةً خاطئة عن النساء الشرقيات، مقدّمين إياهنّ كنساء مضطهدات ومهووساتٍ بالتسلية وقابلاتٍ للاستعباد. لماذا صاغَ الغربيون هذه الصورة عن المرأة الشرقية؟

النساء الشرقيات في مخيال المستشرقين (Getty Images)

في نهايات القرن التاسع عشر، كتبت واحدة من المستشرقات في مذكراتها التي حملت عنوان “أربعون يوماً في الشرق”: “إن كان ممكناً أن نساعد أخواتنا الضعيفات من خلال هذه الزيارة ليتحررن من عبوديتهن فسأقوم بها وأنا ممتنة للغاية. لكن الذهاب ورؤيتهن محتجزات في سجنهن المقيت، هو أمر ليس لأي امرأة مسيحية القدرةُ على احتماله”.

يعكس هذا الاقتباس الكثيرَ من مبالغات المِخيال الأوروبي حول الشرق وطرق رؤيته للمرأة الشرقية وتعاطيه معها، إذ حضرت المرأة في الكثير من الأعمال الثقافية والفنية للمستشرقين. ولو تتبعنا الكثيرَ من تلك الأعمال فمن الصعب أن لا نلاحظ ذلك الحضور الهائل والهوس الكثيف بالجسد الأنثوي وصور”الحريم” والنساء في العالَمَيْن الإسلامي والعربي.

ومنذ ظهورها وحتى فترات ذروتها في القرن التاسع عشر، أنتجت حركة الاستشراق الكثير من الأعمال والكتابات والآراء التي غرست صوراً عديدة في الخيال الغربي عن الشرق، منها ما وصف حُسنه وكان مُعجباً بثقافاته، ومنها ما بالغ في احتقاره وقلل من شأنه وأصر على ذلك، وتحديداً في الموضوعات التي تتعلق بالمرأة الشرقية والعربية.

الشرقُ كأنثى مستباحة

نشطت في سبعينيات القرن الماضي دراسات الاستشراق، لعلّ أبرز وأشهر ما كُتب فيها آنذاك كان كتاب “الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء” للمفكر والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي رأى فيه أن الاستشراق ليس مجرَّد خيالٍ أو أوهام أوروبية عن الشرق، ولكنه “كيانٌ له وجوده النظري والعملي وقد أنشأه من أنشأه واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة”، وهو ما جعله يرى أيضاً أنه لا يوجد ما يُمكننا أنْ نسميه “استشراقاً إيجابياً”، لأن كل نتائجه ارتبطت بمصالح معينة ومِن ثَم بأن الاستشراق هو آيديولوجيا تخدم السلطة والسياسة.

وفي كتابه “الاستشراق الجنسي”، يُشير الكاتب المصري ممدوح الشيخ إلى أن المرأة الشرقية غالباً ما كانت تظهر وتُصَوَّر في أعين وكتب وروايات الكثير من المفكرين والرحالة والمثقفين الغربيين الذين قدِموا إلى البلدان العربية، باعتبارها كائناً تكمن وظيفته الأساسية في تقديم المتعة، ومن خيالهم عن المرأة انعكست نظرتهم إلى الشرق بشكلٍ عامٍّ باعتباره مؤنَّثاً ذا ثرواتٍ خصبة. ويُشير الشيخ في كتابه إلى أن الكثير من الإنتاجات الاستشراقية كان قائماً على ثلاثة رموز أساسية: المرأة الشهوانية، والحريم، والحاكم المستبد.

بالنسبة إلى الشيخ، فإن المستشرقين، فنانين كانوا أو أدباء، قد استلهموا خيالاتهم عن المرأة الشرقية والعربية من “ألف ليلة وليلة”، لكنْ بنحوٍ يميل إلى المبالغة دون أي مراعاةٍ للدقة ولا الصحة، فتعاملوا مع الجسد الأنثوي العربي كشيءٍ يمكن امتلاكه، ونظروا إلى نساء الشرق على اعتبار أنهن فاسقات، وهذا واضحٌ بشكلٍ جليّ للغاية في مسرحية الكاتب الفرنسي دي موباسان “في بتلة الورد، البيت التركي.

أما الكاتب التركي إرفن جميل في كتابه “الاستشراق جنسيّاً” فيُشير أيضاً إلى أن النظرة الاستشراقية صوّرَت بلدان المشرق على أنها مراتع للجنس والشهوة، ووصفت النساءَ كأشياء أو أدوات لإشباع تلك الشهوات، فيما يُختَصر ذِكرهن في كلمة “الحريم” التي فوراً ما يأخذ الخيالُ صاحبَه فورَ سماعها إلى صورة للنساء العاريات المتجمعات في مكانٍ واحدٍ، بحيث إن الجنس والشهوة الجنسية هو ما يهمّهن وما يهمّ الرجال من حولهن.

ولو تتبعنا عدداً من لوحات المستشرقين لوجدنا نسبةً كبيرةً منها تركز على النساء وتصورهن بطريقةٍ معينة ونظرةٍ خاصة غالباً ما تكون ضيقة وموجهة نحو اتجاه واحد يجعل من المرأة الشرقية موضوعاً للرغبة والقبول بعبوديتها للرجل وتلبية رغباته الجنسية.

تحاول لين ثورنتون في كتابها “النساء في لوحات المستشرقين” تحليل اللوحات الهائلة والكثيرة التي تعاملت مع نساء الشرق بذلك الأسلوب الضيق والخاطئ المبني على منطقٍ جنسي بحت.

يذكر الكتاب على سبيل المثال العديد من اللوحات التي تُظهِر فيها النساء حالةً من الكسل والاسترخاء التام دون أنْ يقمنَ بأي عملٍ أو فعل، سواء كن وحيدات أو كن مع جمعٍ آخر من النساء، أو تصويرهن على أنهن غارقات دوماً في أحلام اليقظة ويلوّحن بمروحة لطرد الذباب في حين ينتظرنَ الرجال الذين يظهرنَ أمامهم بدور اللعوبات والمهووسات بالتسلية واللهو فقط لا غير، في جميع الأوقات والأماكن كالحرملك والحمامات والمغاطس والاحتفالات والبيوت وغير ذلك. كما اشتهرت لوحات الجواري أو المحظيات التي كان محورها نساء عاريات في غرف بمفردهن أو يرافقهن خادم أو أكثر.

وقد كان الحرملك من الموضوعات الأكثر إثارةً، سواء في كتابات المستشرقين أو في لوحات الفنانين ورسوماتهم. فقد عملت فكرة حظر ومنع الغرباء من دخوله على تعزيز خيالهم وإطلاق العنان لأفكارهم لينسجوا العديد من التصورات والتخيلات عن ما قد يحدث وراء تلك الأبواب المغلقة. لذلك، عادةً ما كانت تلك التصورات والخيالات تهدف إلى إثارة الغرائز الجنسية للذكور الغربيين. وتصف ثورتون الرغبة العارمة للفنانين المستشرقين في اقتحام أجنحة الحريم بأنها تجسيد لنظرة المستشرقين للشرق، إذ كانوا يرَون أن النساء في المنطقة متاحات لهم شأنهن شأنُ أراضي بلادهن المستباحة للقوى الاستعمارية.

انتقاد الحجاب.. أداةٌ استعمارية

من جهةٍ أخرى، وكما يذكر ممدوح الشيخ في الكتاب نفسه، فقد تذبذبت نظراتهم إلى المرأة ما بين الشهوة والرغبة، والشفقة والأسى، اعتقاداً منهم أنها تتعرض لكثيرٍ من أصناف الاضطهاد والقهر وسوء المعاملة. ومن هنا نظر المستشرقون إلى الحجاب فقط باعتباره احتكاراً لجمال نساء الشرق وتحدياً قوياً وصعباً أمامهم في استكشاف البلدان الشرقية التي قدموا لاستكشافها.

فعلى سبيل المثال، تُشير الكاتبة والباحثة الكندية كاثرين بولوك في أطروحتها البحثية التي حملت عنوان “سياسة الحجاب” ونالت على أثرها درجة الدكتوراه في جامعة تورنتو ثم تحولت إلى كتاب “نظرة الغرب إلى الحجاب”، إلى أن موضوع الحجاب اتخذ بُعداً سياسيّاً جديداً في القرن التاسع عشر حين جعل منه الغرب مسوغاً ومبرراً لغزو الشرق واستعماره.

ومع الوقت، بدأ الغرب بالدعوة لجعل الحجاب رمزاً لقهر المرأة المسلمة، ومن ثم تأصيل الدونية في المجتمعات الشرقية والتفوق في الغربية والأوروبية. وأصبح لاحقاً من حججهم السياسية والثقافية لاستعمار الشرق أن شعوبه لن تتقدم وتتفوق ما دامت نساؤها متخلفات ورجعيات يخضعن لعادات المجتمع الرجعية، وأن الحجاب سبب رئيسي لنكبات الشرق وتخلفه وهي الحجة التي سارت عليها العديد من الأصوات العربية والشرقية النسوية والتقدمية لاحقاً.

كيف تجاهل الغرب إنجازات المرأة المسلمة؟

من جهةٍ ثانية، ظهر في نفس الفترة عددٌ من الأبحاث والدراسات الأكاديمية في الغرب التي حاولت تصحيح الصورة الخاطئة عن المرأة المسلمة. وفي نفس السياق تقول مروة الخطيب، الباحثة في تاريخ النساء عبر التاريخ الإسلامي، في حديثها مع TRT عربي، إن إفراد النساء كموضوع بحث عبر التاريخ الإسلامي في الأكاديمية الغربية بدأ مؤخَّراً نسبيّاً، وطُرِحَ ضمن سياق التاريخ الإسلامي ككل.

أما عن أسباب تراجع مكانة المرأة العربية والمسلمة في المجتمعات الحديثة ووراء انتشار عددٍ من الصور النمطية في الغرب عنها، فتُضيف الخطيب في مداخلتها أن ما يجمع بين هذه الأبحاث والأبحاث الموضوعية في الأكاديمية الغربية أنها تتفق إلى حدٍّ كبير على أن الأدوار الفعالة التي قامت بها النساء المسلمات في الفترة النبوية سرعانَ ما تراجعت بعد القرن الثالث بتأثير الثقافات المجاورة والمجتمعات التي تداخلت مع المجتمع المسلم الأول على إثر الفتوحات الإسلامية. هذا التراجع شهِد غياب النساء المسلمات عن ساحة نقل المعرفة وانحصرت أدوارهن في نطاق الأسرة.

لكن وفي الوقت نفسه سرعان ما بدأت مجموعة من الباحثات ذواتِ الخلفيات المسلمة بتصدر الساحة، فكتبت ليلى أحمد حول المرأة والجندر في الإسلام، وكتبت صبا محمود حول تمكّن النساء المسلمات، وكتبت أسماء سيد حول النساء المحدثات ونقل المعرفة الدينية، وباحثات مثل نابيا أبوت أفردن كتباً حولَ شخصيات نسائية إسلامية، مثل كتابها عن السيدة عائشة، وهو ما ساهم بشكلٍ أو بآخر في تصحيح الصُّوَر النمطية المغلوطة والخاطئة عن النساء في الشرق.

أما عن أسباب تراجع مكانة المرأة العربية والمسلمة في المجتمعات الحديثة ووراء انتشار عددٍ من الصور النمطية في الغرب عنها، فتُضيف الخطيب في مداخلتها أن ما يجمع بين هذه الأبحاث والأبحاث الموضوعية في الأكاديمية الغربية أنها تتفق إلى حدٍّ كبير على أن الأدوار الفعالة التي قامت بها النساء المسلمات في الفترة النبوية سرعانَ ما تراجعت بعد القرن الثالث بتأثير الثقافات المجاورة والمجتمعات التي تداخلت مع المجتمع المسلم الأول على إثر الفتوحات الإسلامية. هذا التراجع شهِد غياب النساء المسلمات عن ساحة نقل المعرفة وانحصرت أدوارهن في نطاق الأسرة. لكن وفي الوقت نفسه سرعان ما بدأت مجموعة من الباحثات ذواتِ الخلفيات المسلمة بتصدر الساحة، فكتبت ليلى أحمد حول المرأة والجندر في الإسلام، وكتبت صبا محمود حول تمكّن النساء المسلمات، وكتبت أسماء سيد حول النساء المحدثات ونقل المعرفة الدينية، وباحثات مثل نابيا أبوت أفردن كتباً حولَ شخصيات نسائية إسلامية، مثل كتابها عن السيدة عائشة، وهو ما ساهم بشكلٍ أو بآخر في تصحيح الصُّوَر النمطية المغلوطة والخاطئة عن النساء في الشرق.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي