مستجدات

حب مراقبة الآخرين.. غريزة إنسانية ضاربة في عمق التاريخ التطوري

[ALLNEWS]26 سبتمبر 2025
حب مراقبة الآخرين.. غريزة إنسانية ضاربة في عمق التاريخ التطوري

 

أنوار لاركو

يُنظر عادة إلى شغف الإنسان بمتابعة شؤون الآخرين، سواء عبر التنصت أو تتبع تفاصيل حياتهم اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر برامج تلفزيون الواقع، على أنه مجرد فضول أو تطفل اجتماعي، غير أن أبحاثا علمية حديثة أجريت تكشف أن الأمر يتجاوز هذه النظرة السطحية، إذ قد يكون هذا الميل في جوهره آلية تطورية قديمة ساهمت في بقاء الإنسان وتطوره الاجتماعي عبر ملايين السنين.

الفضول الاجتماعي.. من الغريزة إلى البحث العلمي

أظهرت دراسة أجرتها الباحثة لورا لويس من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، ونشرتها دورية Proceedings of the Royal Society، أن الأطفال الصغار (4 – 6 سنوات) وقردة الشمبانزي يشتركون في تفضيل مشاهدة التفاعلات الاجتماعية على رؤية الأفراد بشكل منفرد، حتى عندما لا يرتبط ذلك بمكافأة مباشرة.

هذا الاكتشاف يعكس أن المعلومات الاجتماعية حول من يتعاون مع من، ومن يسيطر أو يتنازع لها قيمة فطرية، فالإنسان الأول، تماما مثل الرئيسيات العليا، احتاج إلى هذه المعرفة من أجل التكيف مع بيئته وضمان مكانته داخل المجموعة.

فمنذ سنين عدة من المراقبة

تؤكد الباحثة لويس أن الاهتمام بالتفاعلات الاجتماعية ليس سلوكا حديثا، بل هو عادة متجذرة منذ القدم، إذ إن مراقبة الآخرين وتخزين معلومات عنهم كانت أداة للتكيف لدى أسلافنا من الرئيسيات، ومفتاحا لفهم ديناميكيات القوة والتحالف داخل الجماعات.

اختلاف أنماط المراقبة بين الجنسين

لاحظ الباحثون أيضا أن الأطفال الذكور يُظهرون مع مرور الوقت اهتماما متزايدا بمشاهدة مشاهد الصراع مثل الشجار أو البكاء، بينما تميل الإناث أكثر إلى متابعة التفاعلات الإيجابية كاللعب واللهو، وهو ما يفتح باب النقاش حول تأثير التنشئة الاجتماعية والضغوط الثقافية في تشكيل ميول المراقبة والتفاعل الاجتماعي منذ الطفولة المبكرة.

بين القردة والبشر.. تقاطع سلوكي

دراسة أخرى، نُشرت في دورية Animal Cognition، ركزت على قردة الماكاي، كشفت أن هذه القردة تبدي اهتماما خاصا بمشاهدة التفاعلات العنيفة، وخصوصا عندما يكون أطرافها معروفين لها، هذا السلوك يشبه ميل البشر لمتابعة أخبار الأقارب أو المشاهير أو الشخصيات العامة، حيث تتعلق الغاية بمعرفة توازنات القوة والهيمنة في المحيط الاجتماعي.

السمعة كمسألة بقاء

الباحث البريطاني جيليان فورستر من جامعة ساسيكس، والذي لم يشارك في الدراستين، يرى أن الفضول الاجتماعي يرتبط مباشرة بمسألة السمعة، فالإنسان البدائي كان عرضة لفقدان الطعام أو فرص التزاوج أو التعرض للطرد من الجماعة إذا تضررت سمعته، ومن ثمّ، تطورت غريزة مراقبة الآخرين كوسيلة للبقاء.

التطفل أم تكيف تطوري؟

بهذا المعنى، يمكن القول إن ما نعتبره اليوم “تطفلًا” أو “فضولًا” ليس إلا امتدادًا لسلوك تكيفي ساعد الإنسان عبر العصور على اتخاذ القرارات، بناء التحالفات، وتفادي التهديدات. وإذا كان الإنسان العصري يقضي ساعات في تصفح حياة الآخرين على “إنستغرام” أو متابعة تفاصيل المشاهير، فإن هذه الممارسات تعكس استمرار آلية تطورية ضاربة في الجذور.

تؤكد الأبحاث أن حب مراقبة الآخرين ليس نزوة عابرة، بل نزعة اجتماعية – معرفية أساسية في تاريخ الإنسان. فهي ساهمت في تكوين المجتمعات، وحماية الأفراد من المخاطر، وبناء الثقة والتحالفات. وبالتالي، فإن الفضول الاجتماعي ليس مجرد إضاعة للوقت، بل ربما كان وما يزال أحد مفاتيح بقاء النوع البشري وتطوره.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي