في خطوة وُصفت بالإنسانية والاستراتيجية، صادق مجلس الوزراء الإسباني، يوم الثلاثاء، على بروتوكول تنظيمي جديد يرمي إلى إعادة توزيع نحو 3 آلاف قاصر أجنبي غير مصحوب، أغلبهم من أصل مغربي، من جزر الكناري ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، نحو أقاليم إسبانية أخرى ابتداءً من 28 غشت المقبل.
ويأتي هذا القرار في إطار تفعيل المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 18 مارس الماضي، الذي عدّل قانون الأجانب لإقرار آلية إلزامية لإعادة توزيع القاصرين، بهدف تخفيف الضغط عن مراكز الإيواء المكتظة، خصوصًا في المناطق الحدودية، ونقلهم إلى أقاليم تملك قدرة استيعابية أكبر.
لكن هذه الخطوة الحكومية لم تمر دون إثارة جدل واسع، حيث قدمت إحدى عشرة جهة، من بينها عشر تابعة للحزب الشعبي المعارض، بالإضافة إلى إقليم كاستيا لا مانشا، طعونًا أمام المحكمة الدستورية تطعن في شرعية التعديلات القانونية المنظمة للعملية.
كما قاطعت الأقاليم التي يسيرها الحزب الشعبي الاجتماع الوزاري المخصص لمناقشة تفاصيل خطة النقل، في إشارة إلى تصاعد التوتر بين الحكومة المركزية والحكومات الجهوية بشأن هذا الملف الشائك.
البروتوكول الجديد يرسم خارطة دقيقة لعملية الترحيل، تبدأ بمقابلات شخصية مع كل قاصر في الإقليم المرسل، وإعداد تقارير مفصلة عن وضعه الاجتماعي والنفسي، مع إشعار النيابة العامة، خاصة في الحالات التي يعارض فيها القاصر الانتقال.
ويُحمل الإقليم المستقبل مسؤولية الاستقبال والمواكبة الاجتماعية والتربوية، بينما تتكفل الحكومة المركزية بتمويل كامل للعملية، عبر تخصيص صندوق بقيمة 100 مليون يورو.
ولتأمين العملية، أُسندت مهام النقل إلى فرق مهنية تابعة لمؤسسات عمومية، ملزمة بالتنسيق مع الأقاليم المستقبِلة لضمان سلامة القاصرين وتسهيل اندماجهم.
ومن أبرز الإجراءات المثيرة للجدل في البروتوكول، التنصيص على إمكانية تدخل قوات الأمن لإجبار أي إقليم ممتنع على تسليم القاصر للمؤسسة المكلفة برعايته، مع إلزام الجهات الإدارية بتسوية الوضعية القانونية للأطفال الذين لا يتوفرون على تصاريح إقامة قبل ترحيلهم.
في موازاة ذلك، أعلنت الحكومة عن رصد غلاف مالي إضافي بقيمة 40 مليون يورو، في إطار إعلان طارئ، لإنشاء 1.200 مكان إقامة جديد للقاصرين، خصوصًا المغاربة، في جزر الكناري التي تشهد أكبر ضغط في أعداد المهاجرين القُصّر.
وتستند الحكومة في هذه الخطوة إلى حكم صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 25 مارس 2025، أكد أن رعاية القاصرين الأجانب غير المصحوبين تُعد مسؤولية حصرية للدولة، باعتبارهم من طالبي الحماية الدولية، وهو ما يُبعد الملف عن صلاحيات الأقاليم المستقلة.
القرار الحكومي يسلط الضوء من جديد على التعقيد الذي يطبع العلاقة بين مدريد والأقاليم المستقلة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا الهجرة واللجوء التي تمس البعد الإنساني والسياسي في آن.
وبينما تعتبر الحكومة المركزية أن البروتوكول الجديد يُمثل حلاً متوازنًا بين الواجب الإنساني والمسؤولية المؤسسية، يرى المعارضون أنه يمس بالحكم الذاتي للأقاليم، ويُثقل كاهلها الإداري والاجتماعي دون تشاور كاف.
في خضم هذا الجدل، يظل مصير آلاف القاصرين المغاربة معلقًا بين المواقف السياسية المتباينة، وسط دعوات من منظمات حقوقية إلى تغليب مصلحة الطفل فوق أي حسابات حزبية أو إدارية.