أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، خلال اجتماع مجلس الطاقة بالاتحاد الأوروبي، عن عزمه إنهاء العمل نهائيًا بنظام تغيير الساعة، في خطوة تعكس توجهاً أوروبياً متزايداً نحو اعتماد توقيت قارٍّ وثابت طوال العام.
وقال سانشيز إن “تحريك عقارب الساعة لم يعد له أي معنى، فهو إجراء تجاوزه الزمن ولم يعد يحقق أي فائدة تُذكر”، مشيراً إلى أن نتائج استطلاعات الرأي، سواء داخل إسبانيا أو على مستوى الاتحاد الأوروبي، تُظهر رفضاً واسعاً لهذا النظام الذي يربك الإيقاع البيولوجي للإنسان مرتين كل عام.
وأوضح رئيس الحكومة أن نظام تغيير التوقيت، الذي كان في الأصل يهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة، فقد مبرراته في ظل التحولات التكنولوجية الكبيرة وأنماط الحياة الجديدة، مؤكداً أن الدراسات الحديثة تُثبت أن الفوائد الاقتصادية أو الطاقية لهذا الإجراء أصبحت شبه منعدمة.
ويُذكر أن موضوع تغيير الساعة أثار جدلاً متواصلاً في إسبانيا منذ سنوات. ففي شتنبر 2018، كشفت المفوضية الأوروبية عن نتائج مشاورة عامة أظهرت أن نحو 84 في المئة من الأوروبيين يؤيدون إلغاء النظام بشكل نهائي. كما أشار استطلاع للرأي أنجزه المركز القومي للبحوث الاجتماعية (CIS) سنة 2023 إلى أن حوالي ثلثي الإسبان يفضلون اعتماد التوقيت العادي طيلة العام دون أي تعديل.
ويُرتقب أن يفتح هذا القرار، في حال تنفيذه، نقاشاً واسعاً داخل الاتحاد الأوروبي حول إمكانية توحيد الموقف بين الدول الأعضاء، خصوصاً أن مسألة اختلاف التوقيت ما تزال تُثير إشكالات على المستويات الاقتصادية والإدارية وحتى الصحية.
ويؤكد مراقبون أن الخطوة الإسبانية قد تُشكل نقطة تحول في الموقف الأوروبي العام من نظام تغيير الساعة، خاصة أن عدة دول، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، سبق أن عبّرت عن نيتها مراجعة هذا النظام الذي بات يوصف بـ“العبء الزمني غير الضروري”.
ويرى خبراء في علم الاجتماع أن قرار الإلغاء المنتظر لن تكون له فقط انعكاسات تقنية أو اقتصادية، بل سيمتد أثره إلى الجوانب الصحية والنفسية للمواطنين. فالتبديل الموسمي للوقت يتسبب، بحسب دراسات طبية متطابقة، في اضطرابات النوم والتركيز وارتفاع معدلات التوتر، خصوصاً خلال الأسبوعين التاليين لتغيير الساعة.
أما من الناحية الاقتصادية، فيشير محللون إلى أن المكاسب التي كان يُعوّل عليها في الماضي، والمتعلقة بتقليص استهلاك الكهرباء أو تحسين الإنتاجية، أصبحت محدودة جداً بفعل التحول نحو الطاقات المتجددة وتطور أنظمة الإنارة الذكية، مما يجعل استمرار هذا النظام مجرد عادة إدارية أكثر من كونه ضرورة عملية.
وفي هذا السياق، تتوقع الأوساط السياسية في مدريد أن يلقى اقتراح بيدرو سانشيز تأييداً واسعاً داخل البرلمان الإسباني، خاصة أن الأحزاب الكبرى أبدت، في مناسبات سابقة، انفتاحاً على مناقشة هذا الموضوع وإيجاد حل نهائي له. كما يُنتظر أن تفتح الحكومة الإسبانية مشاورات مع المفوضية الأوروبية لضمان تنسيق القرار على مستوى القارة، تجنباً لأي تباين زمني قد يؤثر في النقل والتجارة والاتصالات بين الدول الأعضاء.
ومع اقتراب لحظة الحسم، يعيش الإسبان على وقع نقاش مجتمعي واسع بين مؤيد لاعتماد التوقيت العادي طيلة العام، وآخرين يرون أن التوقيت الصيفي يمنح ساعات أطول من الضوء المسائي ويعزز الأنشطة السياحية. ومع ذلك، يبدو أن الكفة تميل نحو الاستقرار الزمني الدائم، بما يحقق راحة نفسية أكبر وينهي جدلاً عمره عقود.
وبذلك، تكون إسبانيا على وشك أن تودع “لعبة العقارب المتحركة”، وتفتح الباب أمام عهد جديد من الانسجام بين الساعة البيولوجية والساعة الرسمية، في خطوة قد تلهم باقي الدول الأوروبية للسير على المنوال نفسه، نحو زمن أكثر استقراراً واتساقاً مع إيقاع الحياة الحديثة








