مستجدات

أي إصلاح ينتظره قطاع الصناعة التقليدية بمكناس؟

[ALLNEWS]18 أغسطس 2021
أي إصلاح ينتظره قطاع الصناعة التقليدية بمكناس؟

مرورا بحقب تاريخية مميزة، يظهر أن مدينة مكناس، استأثرت بإرث حضاري جعلها في مصاف المدن المغربية العريقة، ذات حمولة تختزن تراثا حضاريا، وإرثا تاريخيا، فيما يخص الصناعة التقليدية، التي ظلت لعقود من الزمن تعيش حالة اختناق واحتضار، بعدما كانت تشكل الملمح الأبرز في كل بيت يحمل جدور حضارة أمة وأصالة شعب، بالإضافة إلى اطلاعها على حضارات أخرى عربية ومورسكية ،زادت في غنى وتنوع، وتميز عراقة صناعتها التقليدية، فأي إصلاح، وأي تغيير يمكن أن يعيد لهذه الصناعة مجدها وبريقها ووهجها بمدينة مكناس؟

أرقام ودلالات، هل ترقى إلى المستوى المطلوب؟

كشفت مجموعة من الدراسات، أن قطاع الصناعة التقليدية بمكناس يتوفر على نسيج حرفي قادر على مواجهة كل التحديات، خاصة وأن العديد من الحرف بدأت تعود تدريجيا إلى الواجهة، بفضل الإقبال على الطابع المغربي الأصيل في العمارة (رياضات – منازل تقليدية – واجهات تجارية – تحف فنية – إلخ)، وكذلك الحنين إلى استعمال أدوات منزلية، والرجوع إلى الألبسة التقليدية، خاصة القفطان المغربي، والجلابة للجنسين، وتحف التزيين والهدايا التقليدية، فهل يرقى كل هذا إلى المستوى المطلوب؟

تؤكد إحصائيات مندوبية التخطيط لسنة 2016 أن حوالي 24 ألف و541 صانع وصانعة في مجال الصناعة التقليدية ذات الحمولة الحضارية، موزعين على 106 حرفة تظل ملازمة لمستلزمات الحياة المعيشية، وعنوانا بارزا لابتكار ولإبداع الصانع الحرفي، الذي لا ينضب بريقه، رغم أن جزء من بعض المصنوعات التقليدية ومهن القرب بدأت تفقد مكانتها، وأصبحت مهددة بالزوال، في قطاعات مهمة، مثل:  

حرف من  قطاع الخشب آخذة في الزوال:

بلغ عدد الصناع في هذا القطاع ،حسب نفس الإحصائيات إلى ما يناهز ألف و8 مئة و34 صانع، وحوالي 4 تعاونيات للنجارة تضم 33 منخرطا، وكانت صناعة الخشب منذ القدم تحظى بمكانة متميزة لدى النجار المغربي، حيث أن المؤرخ ابن زيدان في مخطوطة أتحاف أعلام الناس بجمال أخبار مكناس، أشار إلى ذلك، وقال: “وإلى أصحاب هذه الصنعة انتهت المهارة في النقش، والتخريم، وبلوغ الغاية في إحكام الصنع وإتقانه”. وأضاف أنه رغم التأثيرات الشرقية والعثمانية تمكن الصناع المغاربة من إبداع نماذج خاصة بهم، فازدهرت حرفة النقش على الخشب، خصوصا مع تشييد القصور، والصحون، والأضرحة، حيث برع الصناع المكناسيون في تزويق الخشب بألوان مختلفة من الصباغة، تعرف اليوم أشكالا متعددة، وزخارف متنوعة، غير أن بعض حرف الخشب مثل العوادة، والغرابلية، والخراطة، والقبابين، والروابزية، والقراشلية، اضمحل بعضها وانقرض ، وذلك لعدم تطورها ومواكبتها للعصر، وتخلي المواطن عنها حيث أصبح لا يستخدمها إلا لماما ،مثل القرشال ،ومشط  الصوف،والغربال ،والقب ،والرابوز،والمدق ،و الكؤوس الخشبية.

قطاع النسيج يبحث عن مقومات مفقودة:

بخصوص هذا القطاع تشير ذات الإحصائيات أن عدد صناعه بلغ إلى حدود سنة 2016 ما مجموعه 8 آلاف ومئة و44 صانع، وكان هذا القطاع يضم، النيارين والحرارين، والبزازين والصباغين، والدرازين، والخياطين، والطرز المكناسي المشهور بأنواله وزخارفه الزاهية، إلى جانبه ظهر التطريز بالخيوط الذهبية الذي يعد من أقدم الأشكال، وتسيطر الآلة لخياطة الملابس الجاهزة، وتنتشر مجموعة من المعامل داخل المدينة في فترات متعددة، ويتم إغلاق عدد منها بسبب المنافسة الدولية، وتتدخل بعض النقابات ويتم عرقلت سيرها العادي،ولم يبق منها إلا القليل محسوب على رؤوس الأصابع.

وتحل بعض الآلات وخاصة فيما يخص الحرير لخياطة الأحزمة النسائية “المضمة”،والقفطان المغربي الأصيل والجلباب ،الذي كان يستعمل فيهما الصانع التقليدي “البرشمان” اليدوي الذي تعوضه اليوم آلة مبتكرة محليا ،وتم الاستغناء نهائيا عن اليد العاملة، التي كانت ستصبع في يوم ما ،يدا مؤهلة تؤمن إنقاذ هذه الحرفة من الزوال.

أما فيما يخص حياكة الجلباب بالنسبة للرجال، لم يبق من النساجين التقليديين بمكناس سوى ثلاث (مرمات) تقليدية عوض 145 كانت في السابق. أما عدد التعاونيات في قطاع النسيج بلغ عدد التعاونيات 3  تضم 19 منخرط فقط، وقطاع الخياطة والطرز يشمل 12 تعاونية، يشتغل بها 92 منخرطا، وتبقى هذه التعاونيات تعاني من قلة الطلبيات، وعدم وفرة المواد الأولية، واحتكار السوق، وقلة الأطر، وارتفاع تكلفة التسيير، وعدم القدرة على مواجهة التنافسية، فضلا على أن الدولة لا تعطيها الأولية في الصفقات العمومية ،مما يجعل قطاع النسيج يبحث عن مقومات مفقودة.

صناعة الجلد خصوصية تحتاج إلى جهد كثير وعطاء وافر:

يلغ عدد صناع الجلد حسب نفس الإحصائيات إلى حوالي ألف ومئة و82 صانع، وبالنسبة لتعاونية الدباغة لم تتعد الواحدة تضم 60 عاملا، بعدما كانت هذه الصناعة تضم في السابقة مجموعة من الحرف، حددها المؤرخ ابن زيدان في الدباغة واللباطة والجبابديين، والركايبية، والخرازة ،التي كانت لها شهرة وطنية ،لما عرفته صناعة البلغة من ازدهار وانتشار عبر تراب المملكة في الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي ،والتي اختفت بسبب ندرة اليد العاملة ومنافسة الحذاء الاصطناعي لها، الذي يقبل عليه الشباب وخاصة الحذاء الرياضي، الذي أصبح يغزو المحلات التجارية، ويدخل كل البيت عن طريق الكبار والصغار من الجنسية.

وصناعة الجلد كانت ذات صيت دائع عبر “البلغة المكناسية “التي كانت توزع عبر الأسواق المغربية، إلا أنها أصبحت اليوم في حاجة إلى من ينشلها من هوادة الانقراض بسبب تراجع الشباب عن اقتنائها لمنافسة الحذاء لها. وكذلك ندرة اليد العاملة، ورغم الجهود التي بذلها بعض الصناع التقليديين المغاربة والأجانب، في عهد الحماية مثل “دالبي” مدير الفنون الصناعية الجميلة ،برياض الجامعي في عهد الاستعمار قصد إعطاء نفس جديد للصناعة التقليدية عامة، بتحديثها وتشجيع صناعها، إلا أنها اليوم على فراش الموت بالمدينة تطلب النجدة ،وتحتاج إلى بدل الجهد الكثير والعطاء الوافر.

قطاع الخزف والطين أرقام تحكي بوادر أزمة:

يضم هذا القطاع اليوم حوال 7 مئة و64 صانعا تقليديا، وبالنسبة للتعاونيات يصل عددها في الخزف تعاونيتين فقط تجمع 16 منخرط. أما صناعة الفخار تمثلها تعاونية واحدة ب 16 منخرط، والجبص تعاونية واحدة بسبعة منخرطين.

وكان هذا القطاع يضم مجموعة من الحرفيين كالجباصين والزلايجيين (البلدي) والبنائيين والركازين ،والرخامين ،واللواحين ،والقلالين ،والقدارين، والفخارين، الذي كان يجمعهم مكان يعرف باسم “دردورة” بالفخارين الذي انتقل بقدر قادر إلى خارج المدينة  بطريق مولاي إدريس زرهون  وهو مشروع”الرميكة”  هذا المشروع الذي ولد ميتا وهو اليوم لا يحمل من مواصفات القرية الصناعية إلا الاسم، على اعتبار أنه لم يحقق ما كان منتظرا منه، وخاصة بعد أن صرفت عليه ميزانية بلغت 39 مليون و280 ألف، ولازال يطلب المزيد من الدعم من الجهة ومن الجماعة الحضرية، وتجتمع كل الآراء على  أن هذا المشروع يحتاج إلى الحزم والمبادرة ،والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه عرقلة المشروع، الذي دشنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2004.

ويبدو للعيان أن معظم هذه الحرف كانت لها مكانة مرموقة في القرون الماضية، وخاصة القرمود ،الذي كان يصدر إلى الخارج في عهد السلطان مولاي إسماعيل، كما أن “الزليج البلدي” بدأ يخرج من تقوقعه بمكناس وفاس ومدن أخرى، بالإضافة إلى حرف أخرى مثل قطاع الفخار الذي يحتاج إلى تأهيل بنياته التحتية وتحسين جودة التكوين في بروز جيل جديد مؤهل، ضمانا لاستمرار القطاع في مجموعة من الأدوات الآخذة في الاندثار مثل “الخابية، القلة، الغراف، البرادة،” المصنوعة من الطين ،المادة الأولية التي يصعب جلبها.

 بعض حرف قطاع المعادن تفتقد شروط الصمود والاستمرارية

عدد صناعه يبلغ حاليا ألف و5 مئة و35 صانعا، يضم تعاونية واحدة للحدادة و15 منخرط، وكانت مدينة مكناس بحكم الوظيفة العسكرية التي كانت تحتلها أيام الاستعمار، نظرا لموقعها الاستراتيجي، تشتهر بعدد كبير من الحرف في ميدان صناعة الأسلحة، مخطوط أتحاف علم الناس فصلها في مجموعة من الحرف مثل: الحداديدين، والغمادين، والزنايديين، والسرايريين، والسراجين، والسكاكين، وبفضل هذه الحرف لازالت بعض الأزقة تسمى بالحرف التي كانت تمارس فيها ،مع أنها اختفت اليوم منها نهائيا.

وقد تفنن الصانع التقليدي المكناسي في شتى المجالات، خاصة زخرفة الأدوات الحربية من بنادق وسيوف وخناجر مزخرفة بالطابع الدمشقي ،الذي انتقل من دمشق إلى المغرب عبر الجالية اليهودية، التي استقرت بمكناس، لكن بعد الاستغناء عن  بعض هذه الأسلحة ،لجأ الصناع التقليديون إلى ابتكار المجوهرات المعدنية والقلادات،و تحف التزيين رائعة الجمال ،مستوحاة زخارفها ونقوشها من التراث الحضاري الوطني، وكذلك من الخط الكوفي، والتي لازالت قائمة إلى اليوم ، يمثلها مجموعة جد قليلة من الصناع المهرة ،مما يؤكد أنها في طور الانقراض،لفقدانها شروط الصمود والاستمرارية ،إذا لم يتم الاعتناء بهذا الفن، الذي يبهر السائح الأجنبي قبل المواطن المغربي.

قطاع النباتات يواجه المجهول

يمكن تصنيف هذا النوع من الفن التقليدي إلى مجموعة من الحرف بعضها اضمحل أو في طريق الانقراض ،ولم يعد يعرفها حتى جيل الثمانينيات، ومنها حرفة السلالين والوظافين والشراطين والحصارين ،الذين يوظفون الدوم ،أو السمر، أو القصب ،ويحولونه إلى أحذية و قفف وسلل وما ضاهى ذلك.

فكان الحصارون يزودون المساجد والمنازل بالحصير، ومع تعاقب وتطور أنماط الحياة انقرضت هذه الحرف بفعل غزو الآلة التي صارت تنوب عن يد الصانع الماهر، ولم يعد تظهر هذه الحرف إلا في بعض البوادي على يد ثلة قليلة من الأشخاص، لازالوا يمارسون بعضها طوعا أو إكراها لجبل مدخول لسد الرمق.

فماذا يمكن القيام به لإنقاذ هذه الحرف من الزوال؟

 رغم المجهودات المبذولة و الطموحة تحاول الجهات المعنية من خلال محاور عملها الإجابة عن مختلف الاشكالات المطروحة ،ويبقى أمام الوزارة الوصية ،والغرف المهنية ،وجميع المتدخلين والمساهمين في القطاع، إعادة صياغة واقعه، واستنهاض كل الطاقات، وذلك عن طريق تفعيل مشاريع مخططات التنمية على مستوى الجهات والأقاليم والمدن والقرى، وإعادة النظر في البنيات الصناعية المتوفرة حاليا، والارتكاز على إستراتيجيات تراعي الحفاظ على مجموعة من الحرف المهددة بالانقراض ،وإحياء أخرى التي اندثرت، وذلك من خلال تجديد مرتكزات لتأمين استمرارية هذه الحرف، وتشجيع الشباب على الإقبال عليها، والحفاظ على طابعها التقليدي  الخالص ،داخل مناطق حرفية منظمة ، والانتقال بالوحدات الحرفية الفردية الموجودة إلى مجال المقاولة، والتحفيز على الاستثمار بإشراك الجماعات المحلية ومجالس الجهات والأقاليم، وكذلك الاعتماد على منظومة التكوين المهني ،ومؤسسات البحث العلمي، قصد الوصول إلى التأهيل الحقيقي.

ويضع مهنيو القطاع آمالا عريضة في أن تعود الصناعة التقليدية إلى سالف عهدا وتتبوأ المكانة التي تستحقها ضمن النسيج الاقتصادي المحلي والجهوي والوطنية والقاري ،وأن تساهم في تقوية وتنويع روافد التنمية الاقتصادية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، والرفع من مساهماتها في الإنتاج الوطني، وخلق فرص وافرة للشغل ،مع مصاحبة الحرفيين الفرادى في عملية تحويلهم إلى مقاولات صغرى ومتوسطة، ودعمهم للمشاركة بكثرة في المعارض الدولية والوطنية، وغزو أسواق أخرى جديدة، فضلا عن تكثيف دورات تكوين في جميع الحرف ،بالإضافة إلى تعميم التغطية الصحية الإجبارية على جميع المهنيين.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي