1 ــ الصين موطن وأصل اكتشاف الشاي
‘عرف الشاي بشهرته في الكثير من البلدان والثقافات ،وخاصة المغربية ،حيث أصبح من التقاليد العريقة ،وموروثا تراثيا ،يوحي بأن ظاهرة انتشار الشاي دوليا وطنيا تحتاج إلى تحليل تاريخي، يتضمن أول بلد ظهر فيه هذا المشروب ،وموعد وطريقة دخوله إلى المغرب ،وكيفية انتشاره ،وعلاقته بالمخيال الشعبي K،وحضوره في الأدب المغربي والعربي شعرا ونثرا ،ونظمه في الأغاني والقصائد ،والمواويل ،والزجل، وتداوله في المناطق النائية باللهجات المحلية ،مما أحدث رجة نوعية في البحت في عمق هذا التراث لإثراء الحاضر ومعرفة الماضي .
تنوعت الكتابات والتحاليل ،واختلفت النصوص ،والمنشورات والمقالات ،والإبداعات الفنية والأدبية والشفاهية ،أضحى الكشف عنها هما معرفيا ملازما لكل مثقف من الجيل الحاضر .فتعددت الدراسات التي تناولت ظاهرة التعاطي لشرب الشاي بين القديم والحديث ،وتفرعت المحدثة منها إلى عدة مؤلفات ،تباينت فيها موطنه الأصلي ونشأته ،وانتشاره في العالم ودخوله إلى المغرب ،واختلاف مقاصد العلماء تحليلا وتحريما ،وكذلك في طرق ومواعيد إعداده ،وفوائده ومميزاته ،ومضاره ،حيث تعددت أنواعه وأواني طرق تحضيره ،فصدرت في ذلك عدة مؤلفات ترنو على السبعين منها على سبيل المثال لا الحصر ،دراسة ببليوغرافية للأستاذة حسناء بوتوادي ،وأخرى لا تقل أهمية للأستاذين عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي حيث قدما دراسة أكاديمية عن تاريخ وعادة شرب الشاي عبر العصور ،نعتز بالاستناد على هذه المراجع ،للغوص في ثنايا موضوع شرب الشاي ،تعميما للفائدة ،والذي نسعى قدر المستطاع تجزئته إلى حلقات خلال هذا الشهر المبارك ،للمساهم في إثارة علاقة معرفية مع التاريخ والثرات المغربي المشترك ،الذي يضم مميزات ثقافية تراثية أضحى الكشف عن خفاياها وأسرارها للناشئة في غاية الأهمية .
تاريخ اكتشاف الشاي واختلاف الأساطير
تعددت الروايات واختلفت الأساطيرحول تاريخ اكتشاف الشاي ،ويذكر بعض المؤرخين والمهتمين ،أن الشاي عرف قديما من طرف الصينيين قبل مولد المسيح ،وجاء في روايات متماثلة أن أحد الأباطرة الصنيين ،كان ينظر بتمعن إلى إبريق مفتوح وضع فوق نار تحت شجرة ،سقطت بداخهله ورقة من تلك الشجرة ،وبدأت تفوح منه رائحة طيبة ،فتغير لون الماء ،وما إن تذوق الأمبراطور الماء حتى شعر بمذاق طيب ،نصح به مقربيه لتذوقه إلى أن شاعخبر تناوله بين سائر السكان .وقيل في حديث آخر أن أحد الكهنة هندي هو الذي اكتشفه حيث كان يشربه ليبقى يقظا طوال الليل ،وتذكر الرواية أن الأمير الهندي ذهب إلى الصين في النصف الأول من القرن السادس الميلادي ،حيث كان أول داعية لديانة “الزان “البودية ،ومن أجل التعبد كان يسهر طوال الليل ،غير أنه في ليلة من الليالي باغته النوم ،وحينما استيقظ شعر بالذنب ، ويقال أنه قطع جفنيه ودفنهما تحت شجرة حتى لايغالبه النوم ثانية ،وفي أحد الأيام وهو يمر بنفس المكان الذي دفن فيه جفنية، لاحظ أن هناك نبتة لم يراها من قبل ،قطف منها وريقات ،وتذوقها ،ولاحظ أن النوم لم يغلبه طوال الليل،فحكى الواقعة لمعارفه الذين جربوا ليتيقنوا من صدق أقواله ،ومنذ ذلك الحين بدؤوا في زراعة هذه النبتة التي أصبحت شايا ( عن كتاب بول بوتيل تاريخ الشاي ).وتقول حكايات أخرى أن الأمبراطور قام باختيار مجموعة من الأعشاب، ليقوم بتجربة مضادة للسم واكتشف الشاي صدفة أثناء قيامه بهذه المهمة الطبية.
ويذكر أيضا أن الشاي عرف كدواء قبل استهلاكه كشراب ،وانتشر حيث أصبح مشروبا بديلا للخمر،يسهل العبادة والطقوس الدينية يستهلك يوميا ،وظهرت زراعته وشربه في القرن 350 الميلادي ،وفي عام 8 مئة تم زرعه في اليابان ،بعدها انتقلت زراعته إلى هولندا سنة 1826 م وانتشرت شعبية شربه في الصين بسبب التأثير الثقافي الصيني إلى أن داع في شرق آسيا ،تم انتقل ليغمر حوالي 52 دولة .
وتؤكد بعض الأساطير أن الشاي كان خلال تلك الحقبة يستخدم كعلاج ،ولا يباع إلى في الأماكن المخصصة لبيع العقاقير ،تم تحول إلى مشروب يقتصر على الأغنياء فقط ،وأجزم العلماء أن مشروب الشاي نشأ في غرب الصين،ولعب دورا مهما في الثقافة الأسيوية لعدة قرون ،باعتباره من المشروبات الأساسية العلاجية ،ورمزا للمكان سواء كانت هذه الأساطير حقيقية أم لا ،لذلك فليس من المستغرب أن البحوث حول أصله غالبا ما كانت دينية أو أمبراطورية في طبيعتها .
وعلى العموم تشير معظم الدراسات والبحوث الحديثة، أنه عثر في الصين على آثار الشاي تعود إلى 2100عام ، واكتشفت هذه البقايا قرب ضريح الأمبراطور “يا نغلين “الذي عاش بين 188 و141 قبل الميلاد .
وكان أقدم دليل على استهلاك الإنسان الشاي نص يعود إلى العام 59 قبل الميلاد ،لكن لم يكن لدى العلماء دليل مادي على استهلاكه قبل عصر أسرة سونغ ،التي حكمت الصين بين 960 و1279 .وجاء في دراسة أخرى أن أباطرة أسرة هان شربوا الشاي 2100 عام ،وأن الشاي دخل منطقة التيبت قبل 1800 سنة .لكن الأسطورة الصينية تعود بظهور الشاي إلى 2737 ق.م على يد الأمبراطور شين يونغ مخترع زراعة الطب .الذي أصدر للرعية قرارا ينص على وجوب غلي الماء قبل شربه .ومن هنا تأتي حكاية سقوط ورقة من شجرة وتغير لونه وطعمه،واستحسانه .
ولازال حتى اليوم البحث جاريا عن الموطن الأصلي للشاي ،وكذلك عن اسم الصيني المخترع الأول لآلة تقطيع أوراق الشاي ،وجاء في كتاب( كلاسيكيات الشاي )لمؤلفه لويوي من أسرة تانغ يصف فيه كيفية زراعة الشاي ومعالجة أوراقه ،وطريقة تحضيره كشراب يومي ،وأشار إلى أن أوراق الشاي كانت تسخن تم تطحن وتعجن على شكل كعكة ،وتغيرت هذه الطريقة خلال عهد أسرة سونغ(960 ــ1279) حيث تعلم الصينيون في القرن الثالث عشر معالجة الشاي بطرق مختلفة منها الشاي المخمر ،والمجفف، والمحمر والمبخر.
ومنذ ذلك الحين يعتبر الشاي باختلاف أنواعه وطرق تحضيره ،ليس مجد مشروب بل جزء من الحياة اليومية للملاين حول العالم ،وأكثر المشروبات رواجا في سائرأنحاء المعمور.