ـ هل التلميذ قادر على إدراك الأمور والحكم عليها واتخاذ القرار وحل المشاكل التي تعترضه ؟
ـ هل المناهج الدراسية ملائمة وتساعد على تنمية الملكة النقدية عند التلميذ؟
ـ هل يتم تدريب وتأهيل المدرس في مجال التفكير النقدي ؟
لعل من الموضوعات التربوية الأساسية التي اشغل ويشتغل عليها علماء التربية ، تلك التي تتعلق بكيفبة تنمية ملكة القدرة النقدية عند التلميذ ،أي قدرته على محاكمة الواقع الذي يعيش فيه ، وعلى تقييم الأفكار التي يطلع عليها بروح نقدية ، تتميز بقدر كاف من التفكير العلمي والموضوعية في التحليل، والقدرة على الاستدلال ، وقياس المعلومات والأفكار، انتهاء إلى الأحكام المنطقية .
من هذه المنطلقات يرى علماء التربية ،أن الأساليب التقليدية التي يتبعها المدرس في التربية والتعليم ،تتجه نحو خلق شخصية سلبية عند التلاميذ ،إذ أنها لا تتيح المجال لإبراز فردية المتعلم وإمكانياته الخاصة ، وقدرته الذاتية على تحليل المعلومات والربط بينها ، ومن تم انتقاد جوانب معينة ، وعلى هذا الأساس وصل هؤلاء العلماء ، إلى أن المتعلم يقف من المعلومات التي يتقنها موقف المتلقي السلبي ،الذي لا يمارس المناقشة ، ولا يتوصل إلى هذه المعلومات من خلال البحث الشخصي أو الاكتشاف الذاتي .
إن الاعتماد على الحفظ والتلقين ، التي يعتمد عليها مجموعة من المدرسين ، لا تنشئ إلا جيلا يقوم على تقبل كل ما هو جاهز، ولو كان خطأ،وبذلك يكون المدرس قد أنشأ فردا لا يعرف إلا التقليد والمحاكاة ، أما أن يبدع ويفكر ويبتكر ، فذلك لم يحصل عليه مع هذه الطرق التقليدية المعتمدة في حل المناهج الدراسية ، وعلى مدى طول المرحلة الدراسية .
وبالنسبة للمناهج الدراسية وملاءمتها لتنمية الفكر النقدي ،اتضح جليا عند رجال التربية، أنها ترسخ هي أيضا مبدأ الحفظ وليست على المستوى المأمول ،كلها يعتريها النقص ،كما أنها تفتقر إلى أنشطة بداغوجية تساعد على تنمية قدرات المتعلم على التركيز، والملاحظة وإبداء الرأي ،أضف إلى ذلك أن الامتحانات بصورها التقليدية تعد أكبر محبط أمام تنمية الفكر.
فالكل يعرف أن المدرس مقيد بهذا المنهج ،الذي لا يتيح له مجال الإبداع أو التفكير ، وبالتالي يفقد التلميذ الصلة العقلية مع الأفكار التي يتلقاها ، ومع الزمن ينشأ لديه إحساس وهمي بأن كل ما يتلقاه من أستاذه أو من الكتاب ،هي حقائق لا تقبل الجدل وليس من حقه أن يمتحن صحتها .
فجميع المهتمين بالتربية لا يريدون التلاميذ أن يكونوا ناقلي للعلوم فحسب ،وإنما يريدون في هذا الوقت بالذات تلاميذ نقاد مبتكرين للعلوم ،ومشاركين في إعدادها ،واكتشاف العالم من حولهم ،ولن يتأتى ذلك إلى بتنمية ملكة النقد عند هؤلاء .
وتشير بعض التقارير التربوية إلى أن مساهمة الأستاذ في العناية بعملية النقد عند الفرد أصبحت ضرورة ملحة ، لكن السؤال الأكثر إلحاحا ،كيف يستطيع المدرس بناء معرفة نقدية لدى المتعلم؟.
من هنا يمكن وضع هذا السؤال ،هل تم تأهيل هذا المدرس تدريبيا على كيفية جعل التلميذ قادر على نقد كل ما يقدم له من دروس وآراء في مناهج دراسية جاهزة ؟.
من هذا المنطلق وجب التفكير في الاهتمام أولا بالمدرس، وتدريبة قبل تخرجه من المراكز التربوية على كيفية تعويد التلاميذ على النقد البناء ، واعتماد المنظومة التربوية برمتها على نهج التفكير النقدي ، واستحضار البعد المستقبلي ،إذ لن يكون لهذا المستقبل دور مهم ، ما لم يكن قائما على أساس تكوين الأستاذ في ترسيخ مفاهيم النقد عند االمتلقي ، وزرع الفكر النقدي في عقول الناشئة منذ الصغر ، إذا ما تعوذ الطفل عليه في تلك المرحلة الزمنية فإنه سيكون دأبه دائما .
لذلك يجب على المدرس أن يعمل على وضع التلميذ في مواقف حياته ، تدفعه دفعا للتفكير النقدي ووضعه على المحك مع المشكلة المطروحة ، فيضع لها تصوره ثم يشرع في إيجاد الحلول النقدية المناسبة لها .
فإذا أبدع الأستاذ في مجاله داخل قاعة الدرس ،فإنما يعود ذلك إلى مجهود فردي منه ، ومن ثم فكيف يتسنى له ذلك وهو يفقد أدنى الأدوات التي يستطيع من خلالها فعل ذلك ؟
ومن هنا يمكن وضع السؤال التالي : كم من مرة تم تأهيل الأستاذ تدريبيا عل التفكير النقدي ؟حتى يكون ممتلكا لأدواته ، حينما يستطيع أن يقود التلاميذ إلى المستقبل، وأن يصنع جيلا قادرا على النقد والتوجيه.
ويؤكد علماء التربية إلى أن الملكة النقدية عليها أن تبدأ منذ الطفولة ،بالرغم من أن الطفل يخضع للتلقي ، فهو يكتسب المعلومات من أفراد العائلة أو من الأستاذ ، ومع ذلك فكثيرا ما يستجيب الطفل لظروف بيئته المحدودة ، تعبر عن الرغبة في الاستقلال الفكري ،إن كثيرا من التلاميذ نشأوا على الاعتقاد بأن الكلام المطبوع في كتاب يقرأونه على اعتبار أنه من قبيل الحقائق ، التي لا ينفذ إليها الشك ولا تخضع للنقد ،وهذا كله يعود إلى فقدان المنهجية في التفكير ، وهي المنهجية التي تمكن التلميذ القدرة على النقد والانسجام في وجهات النظر ، التي تجعل الفكر أمرا يتعلق بالحياة وليس مجرد ترف ذهني أو استعراض سطحي للمعلومات.
لذلك يجب على الأستاذ أن يعلم التلميذ كيف يفكر بعقلانية ، وأن يتفاعل مع محيطه ، وتنمية لديه القدرة على تحديد وظيفة العقل ،والاستفادة من التجارب التي يكتسبها من البيئة .وبذلك يصبح الطفل مدركا للأمور ، والحكم عليها بصورة منطقية ، واتخاذ القرارات في وقتها ، وحل المشاكل التي تصادفه ، ومن هنا يمكن له أن يكون قادرا على خوض مجالات التنافس ، الذي يرتبط فيها النجاح والتوفق ،بمدى قدرة التلميذ على التفكير النقدي.