قال تعالى: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(([1]).
“لقد عجزت النظم البشرية عبر التاريخ في علاج الاضطرابات والفساد التي وصلت إليها المجتمعات البشرية، فنهوض الأمة ورقيها معقود بصحة التربية والتأهيل، والسبب أنها تقف عن تحقيق الكمالات، فإذا نظرنا إلى الجاهلية قبل الإسلام وكيف أنها كانت تعيش انتكاسا في الفطرة والعقيدة والأخلاق وشلل في الأفكار والجور وعاصفة الشهوات والمآثم. لا نجد لهطا دواء إلا بالإسلام الذي جاء لتربية الأمة على المبادئ والقيم والأخلاق الحميدة والكفيلة بإصلاح هذه المجتمعات ولا يقدر على صدها إلا من تربى تربية حسنة تحميه من الانصراف والزيغ، لهذا بعث الرسول (ص) معلما ومزكيا ومبشرا ونذيرا “إنما بحثت لأمم مكارم الأخلاق“([2]).”([3]).
فسبحان من اجتباه واصطفاه وتولاه وحماه ورعاه، فبحثته (ص) حقيقة هو أروع الأنباء وأعظم الأخبار الذي سارت به الأخبار، وتحدث به الشعار ووعاه الركبان واندهش منه الدهر وذهب منه الزمن، فقد استدار له التاريخ وقفت له الأيام. وصح عنه (ص) “مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا“([4]).
فقد مر بمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن يمر بها معلم أو مربي في كل زمان ومكان، فما من حالة يمر بها المربي أو المعلم إلا ويجدها نفسها أو مثلها أو شبيهها أو قريبا منها في حياة النبي ، لقد عاش النبي الفقر والعنف، والأمن والخوف، والقوة والضعف والنصر والهزيمة عاش اليتم والعزوبة والزوجية والأبوة… وكان يتعامل مع كل مرحلة لما يناسبها.”كل هذا شاهد صدق ودليل حق على أنه المثل الأعلى للإنسان في كل جانب من جانب حياته وأنه القدوة العليا لكل إنسان في أي جزء من أجزاء تصرفاته، أما ما يخص معلمته فقد حددها r بقوله “إنما بعثت معلما“([5]) فالأمة بلا علم يوضح لها جوانب سلوكها وبلا تربية تعرف كل فرد من أفرادها واجبه تصبح أمة فوضوية تصرفاتها غير منضبطة، ولكل فرد من أفرادها ما سلوك يخالف سلوك الآخر وعادات وتصورات تختلف فلا تكاد أمة تفلح بهذا…”([6]).
وبعد فإننا نقول: أن كان المربي يظهر من خلال:
“1- بمقدار ما يستطيع أن ينقل نفس الإنسان وعقله من حالة دنيا إلى حالة أعلى، كلما رقي بالإنسان أكثر دل ذلك على كماله أكثر.
2- في سعة دائرة البشر الذين استطاع أن ينقلهم إلى كمالهم الإنساني. فكلما كانت الدائرة أوسع كان أدل على الكمال.
3- ثم في صلاحية هذه التعاليم والتربية، وحاجة الناس جميعا إليها، واستمرار أنباء هذه التعاليم آثارها على مدى العصور”([7]).
صفات الرسول (ص) المربي:
ففي ما يخص تربيته (ص) فتتجلى من خلال مجموعة من الصفات من بينها أخلاقه، صبره، حلمه، رحمته… “فهذه من أمهات الأخلاق التي تحمد إذا كانت في معلم أو مربي، وسنرى أن رسول الله (ص) يضع كل شيء في محله فإذا كان العفو غير محمود فلا عفو. وإذا كانت الرحمة غير محمودة فلا رحمة. وهكذا، فرسول الله (ص) هو الميزان الذي نوزن بتصرفاته أخلاق البشر ويتحدد بهذه التصرفات “وكل خلق فلا يطغى خلق على خلق””([8]).
أخلاقــــــــــه(ص):
قال تعالى: )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(([9]).
إن أبرز سمة في شخصية الرسول (ص) المتعددة الجوانب أخلاقه التي لا مثيل لها فلو أنك جمعت كل خلق عظيم في العالم، وكل تصرف أخلاقي سليم تصرفه في يوم من الأيام إنسان. “فإن ما تجده في حياة رسول الله (ص) يربو على هذا كله مجتمعنا، مع انعدام التصرفات غير الأخلاقية في حياته عليه الصلاة والسلام، مما لا تستطيع معه أن تجد في حياته كلما تصرف يمكن أن ترى أعظم منه، وكان أصحابه رضي الله عنهم يحرفون منه هذا. وينصرفون على أساس معه، فكثيرا ما كانوا يوقفون ناسا مواقف من الأنبياء السابقون فيها سنن فكان يفعل ما فعلوا، ويعرف الصحابة رضوان الله عليهم ما سيفعله إذ أنهم يعرفون عنه أنه لا يرضى أن يكون أحد أرقى منه تصرفا أو مسلكا”([10]). كما أن أخلاق الرسول (ص) هي ميزة الشخصية الكبرى، حتى أنه ليحدد معلمة رسالته يقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“([11]). والواقع أنك لا تستطيع أن تأخذ صورة كاملة عن أخلاق الرسول (ص)، إذ أخلاقه كما وصفته سيدتنا عائشة رضي الله عنها هي القرآن: “كان خلقه القرآن“([12]).