في عصر باتت فيه الهواتف الذكية جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، من التواصل الفوري إلى العمل والتسوق والترفيه، يختار بعض الأشخاص طريقاً معاكساً تماماً، معلنين التخلي عن هذه الأجهزة والعودة إلى ما يُعرف بـ”الهواتف الكلاسيكية” أو حتى الاستغناء عنها كلياً. هذا القرار، الذي يبدو صعباً في زمن الرقمنة الشاملة، تبرره عدة دوافع متشابكة نفسية، اجتماعية وحتى صحية.
أحد أبرز الأسباب التي يذكرها هؤلاء هو ما يُسمى بـ”الإرهاق الرقمي”. فالتعرض المستمر للتنبيهات والرسائل وتدفق الأخبار يولّد ضغطاً ذهنياً، ويجعل الكثيرين يشعرون بأنهم في حالة تأهب دائم. لذلك، يرى البعض أن العودة لهاتف بسيط يضمن لهم استعادة السيطرة على وقتهم وتحقيق نوع من التوازن النفسي.
هناك أيضاً من يبرر موقفه بالبحث عن البساطة والابتعاد عن التعقيد. فالهاتف الكلاسيكي، الذي لا يتيح سوى المكالمات والرسائل القصيرة، يوفّر تواصلاً مباشراً بعيداً عن إغراءات التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي. هذا الخيار يجد صدى لدى من يصفون أنفسهم بـ”الحنينيين” لعصر كانت فيه العلاقات أكثر صفاء وأقل استهلاكاً للوقت والذهن.
مخاوف الخصوصية بدورها تدفع بعض المستخدمين إلى الابتعاد عن الهواتف الذكية، في ظل جدل متزايد حول جمع البيانات وتتبع السلوكيات عبر التطبيقات. بالنسبة لهؤلاء، الهاتف البسيط هو وسيلة لتقليل احتمالات المراقبة الرقمية وحماية المعلومات الشخصية.
في المقابل، يربط آخرون قرارهم بالهواجس الصحية، خاصة تلك المتعلقة بالتعرض الطويل للشاشات وتأثيرها على النظر أو النوم. تقارير طبية عديدة حذّرت من “إدمان الشاشة” وما يخلفه من انعكاسات جسدية ونفسية، ما شجع فئة من الناس على تقليل اعتمادهم على هذه الأجهزة.
ظاهرة محدودة ولكنها متنامية
ورغم أن الأرقام لا تشير إلى تحول واسع نحو التخلي عن الهواتف الذكية، إلا أن الظاهرة آخذة في النمو، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، حيث برزت مجتمعات صغيرة تُعرف بـ”المقاومين الرقميين”، يروّجون لفكرة العيش بأقل قدر ممكن من التكنولوجيا الحديثة.
بين من يراها مغامرة غير واقعية، ومن يعتبرها خطوة شجاعة نحو الحرية، تظل هذه التجربة مثيرة للاهتمام في وقت تزداد فيه الحاجة إلى إعادة التفكير في علاقتنا مع الأجهزة التي باتت تسيطر على تفاصيل حياتنا أكثر من أي وقت مضى.