مستجدات

بين “المعين” و”الخطر”.. جدل الذكاء الاصطناعي يقتحم المدرسة المغربية

[ALLNEWS]24 سبتمبر 2025
بين “المعين” و”الخطر”.. جدل الذكاء الاصطناعي يقتحم المدرسة المغربية

في ندوة صحفية بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، لم يتردد المفتش العام للشؤون التربوية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فؤاد شفيقي، في دق ناقوس الخطر حول تنامي اعتماد بعض الأساتذة على أدوات الذكاء الاصطناعي في تحضير الدروس، معتبرا أن هذه الظاهرة تمثل تحدياً متنامياً للمنظومة التعليمية المغربية.

شفيقي أقرّ بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكراً على التلاميذ أو الطلبة الباحثين، بل أصبح واقعا عالمياً يتجاوز الحدود، قائلاً: اليوم يمكن إنجاز بحث ماستر أو دكتوراه في دقائق معدودة بفضل الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يضعنا أمام إشكال حقيقي.

ورغم إشارته إلى الفوائد العملية التي قد يجنيها الأستاذ، من حيث تقليص زمن الإعداد من ساعات طويلة إلى دقائق، إلا أنه طرح سؤالاً جوهرياً: هل يظل مستوى الاستيعاب والفهم لدى الأستاذ نفسه، أو حتى لدى التلميذ، هو ذاته حين يتم الاعتماد على الآلة بدل الجهد الذهني البشري؟

المسؤول التربوي شدّد على أن بعض الأنشطة التعليمية لا يمكن تعويضها بالتقنيات الذكية، لأنها تؤسس لطريقة التفكير وبناء الشخصية، داخل المدرسة وخارجها. ومع ذلك، أشار إلى أن عدداً من الدول اختارت مواجهة هذا التحدي عبر إدماج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بدل الاكتفاء بالتحذير منه.

أما في السياق المغربي، فكشف شفيقي عن مبادرة أطلقتها الوزارة بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تتمثل في قوافل تربوية تجوب المناطق البعيدة، لتمكين التلاميذ من التعرف على تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتيك والبرمجة، بما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة لمواكبة التحولات الرقمية العالمية.

وبين مخاوف الانزلاق نحو التبعية المطلقة للتقنية، وإمكانات تحويلها إلى رافعة تعليمية، يظل الجدل مفتوحاً داخل المدرسة المغربية: كيف نوازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وضمان تنمية القدرات الفكرية والنقدية للتلاميذ والأساتذة على حد سواء؟

هذه التصريحات تفتح أبواباً لأسئلة أساسية: ما الذي تغيّره أدوات التوليد الآلي للنصوص (مثل مولدات الدروس أو ملخِّصات الأبحاث) في الممارسة الصفية؟ وهل يمكن للوزارة أن توفق بين الاستفادة التقنية والحرص على صقل مهارات المعلم والتلميذ؟ لتفكيك هذه القضايا قمنا بمراجعة سياسات دولية، دراسات مهنية، وآراء خبراء تربويين محليين — فإلى ماذا تشير الأدلة؟

الحجة التي يطرحها شفيقي بسيطة وواضحة: أدوات الذكاء الاصطناعي تختصر وقت التحضير (من ساعات إلى دقائق)، لكنها تثير تساؤلات حول مستوى الاستيعاب والتمكّن الفعلي لدى الأستاذ والمردودية التربوية للتلاميذ. فمسألة «من أعدد الدرس» لم تعد شكلاً فحسب، بل مرتبطة بكيفية اكتساب المعلم أدوات تقويمية ومهارات مهنية لا تُنقل بالآلة وحدها.  

الوقائع الدولية تُظهر مسارين متوازيين: بعض الدول تسارع لدمج تعليم الذكاء الاصطناعي ومهاراته كجزء من المناهج، بينما دول أخرى تضع أطرَ حوكمة واستراتيجيات لحماية النزاهة الأكاديمية وتمكين المعلم. تقارير تحليليّة توثّق تجارب من سنغافورة وكوريا والهند، حيث استُخدمت نظم ذكية لتخصيص التعليم وتقديم دعم للمعلمين، مع تركيز على بناء كفاءات المعلمين والقدرة على تفسير مخرجات الأنظمة. كما تعمل منظمات دولية (مثل اليونسكو) على أُطُر معيارية لكفايات الطلاب والمعلمين في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا المزيج «تكامل+تنظيم» يوفر نموذجاً عملياً يمكن للمغرب الاستفادة منه

شفيقي أثار نقطة حسّاسة: إنجاز بحث متقدم «في دقائق» بفضل الذكاء الاصطناعي قد يقوّض معايير البحث العلمي والمنهجية الأكاديمية. هذه المشكلة ليست محلية فقط؛ وثائق وزارية وأكاديمية في دول أخرى تدقّ ناقوس الخطر ذاته وتدعو إلى سياسات تقييم جديدة (أسئلة شفافة، أعمال تطبيقية، تقييمات شفهية)، بدل الاعتماد الحصري على اشتقاق نصوص جاهزة من نماذج لغوية.

حسب تصريحات الوزارة، ثمة مشروع مشترك مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يتمثل في قوافل تزور المدارس النائية لتعريف التلاميذ بالذكاء الاصطناعي، والروبوتيك، والبرمجة. هذه المبادرات التوعوية إيجابية وتفتح أفقاً، لكنّها بحاجة لأن تواكبها خطة تكوين مستدامة للمعلمين وإعادة ضبط للمقررات ومراعاة فروق الموارد بين المدن والقرى.

ــ خبير تربوي شابّ يؤكّد: “الأداة جيدة حين تكون في خدمة رؤية تربوية واضحة، وليست بديلاً عن مهارة التصميم البيداغوجي لدى الأستاذ.

ــ باحث في مناهج التعليم يشدد على ضرورة إدراج كفايات ميتا — مثل التفكير النقدي، تقييم مصادر المعلومات، والقدرة على تفسير ناتج الذكاء الاصطناعي — داخل كل وحدة دراسية.
هذه المواقف تنسجم مع توصيات منظمات دولية تقترح أُطُراً لتعليم الذكاء الاصطناعي وقياس نتائجه على المتعلمين والمعلمين

ــ برنامج تكوين مكثف للمعلمين يركّز على: فهم حدود مخرجات الذكاء الاصطناعي، كيفية توظيفها بصفاء بيداغوجي، وأساليب تقويم جديدة تضمن النزاهة الأكاديمية

ــ دليل وطني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس يتضمّن مبادئ واضحة (شفافية؛ إفصاح عن مصدر تحضير الدرس؛ اعتبارات أخلاقية)

ــ تجارب ميدانية منظَّمة (حالات دراسية في جهات مختلفة) لتقييم أثر التكامل التقني على التحصيل والمهارات.

ــ تعزيز الشراكات الدولية للاستفادة من أطر اليونسكو ودروس دول دمجت الذكاء الاصطناعي بمناهجها.

الذكاء الاصطناعي دخل المدرسة المغربية لا بوابة تساؤل بل كواقع فعلي — كما أكد فؤاد شفيقي. المعضلة لا تتعلق بمنع التكنولوجيا من الأساس، بل بصياغة سياسة وطنية تربوية توازن بين تسريع العمليات الإدارية والبيداغوجية، من جهة، وضمان صقل أدوات التفكير النقدي والمهارات المهنية لدى الأستاذ والتلميذ، من جهة ثانية. إذا فشلت السياسات في الجمع بين هذين المسارين، فستبقى «السرعة» اختصاراً على حساب «العمق» — ومآلات التعليم لا تُقاس بسرعة التحضير وحدها.

 

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي