يعتبر المجتمع المدني مجالا خصبا للمساهمة القوية في التغيير الاجتماعي ، و فضاء للتفاعل وممارس المواطنة. حيث أصبح يمثل أهمية مركزية داخل المجتمع لأنه صلة وصل بين الدولة والمجتمع، ولكونه يلعب دورا مهما من الناحية السياسية من خلال تكريس الديمقراطية عن طريق المشاركة والرقابة ومن الناحية التنموية، إذ يعد محرك عجلة التنمية من خلال مبادراته.
ويعد المغرب من ضمن الدول التي تبنى هذا المفهوم في خطاباته الرسمية، حيث راهن دستور 2011 على المجتمع المدني، عندما مكنه من سلطات وأدوار جديدة (حقوق ،حريات ،واجبات)، التي ستجعله شريكا أساسيا في المساهمة في اتخاذ القرار و المساهمة في صياغة السياسات العمومية.
ويعد دستور 2011 دعامة رئيسية للتأصيل الدستوري للديمقراطية التشاركية في المغرب، حيث نص على الدور الفعال الذي يلعبه المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية وأكد على حقه في تقديم العرائض والملتمسات، والمساهمة في بلورة السياسات العمومية.
وعلى ضوء ذلك يمكننا التساؤل حول مدى استيعاب فعاليات المجتمع المدني لهذه الأدوار وقدرتها على تحقيق الأهداف المسطرة لها في ظل واقع مليء بالمعيقات والتحديات خاصة و أن عدد جمعيات المجتمع المدني بالمغرب وصل الى 200 الف جمعية ؟
فبالرغم من أن الجمعيات لها دور فعال في التوجهات الجديدة للتنمية المحلية بالمغرب، نظرا لقدراتها على العمل عن قرب ، وتعبئة مشاركة الساكنة في المشاريع التنموية المحلية، إلا أن الواقع يؤكد أن معظم الجمعيات تفتقر إلى الكفاءة والمهنية الضروريتان لجعلها قوة إقتراحية ،لها وقع مؤثر في التنمية المحلية، وجعلها هيئة قادرة على النقد والتحليل واقتراح منهجيات ومقاربات إستراتيجية، حيث أن عدد كبير من الجمعيات تواجه مشكل جوهري يتمثل في ضعف العنصر البشري المؤهل لخوض غمار العمل الجمعوي بكل مسؤولية وحرفية، بالرغم من أن المنخرطين في هذه الجمعيات يتوفرون على مستوى دراسي عالي، إلا أنهم يفتقرون إلى الخبرة والتجربة ، التي تمكنهم من العمل الفعال والمثمر. بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد داخل الجمعية فئات تحركهم مصالح شخصية فقط ، الشيء الذي يؤثر سلبا على عمل العمل الجمعوي ويحد من مساهمته الفعالة داخل المجتمع، بالإضافة إلى ذلك تعاني اغلب الجمعيات من عدة مشاكل تتمثل في ضعف القدرات الإدارية والتسيير المؤسساتي والعجز عن متابعة الملفات وتدبير الموارد البشرية، وهذا ناتج عن نقص في المهارات,وعدم إنفاق الجمعيات المال على التداريب والتكوينات من أجل تأطير الأعضاء والرفع من قدراتهم التقنية ، وتمكينهم من الخبرة والتجربة اللازمتان، بالإضافة إلى تكرار المشاريع الكلاسيكية وعدم الابتكار,وغياب الانسجام والتجانس بين أعضاء الجمعيات في أغلب الأحيان وتهميش بعض الفئات الحيوية بسبب صراعات شخصية.
كما نجد عدم اهتمام عدد كبير من الجمعيات بالتكوين في المجال القانوني والاقتصادي، لذلك نجد أن أغلب الجمعيات لا تتوفر على المهنية اللازمة للتعامل مع بعض المساطر الإدارية كالصفقات العمومية، والإجراءات التقنية الخاصة بتنفيذ المشاريع. ونجدها عاجزة عن إعداد البرامج و تحديد استراتيجية واضحة للتنمية، وغير قادرة على الاستمرار في المشاريع، في حالة انقطاع الإعانات، أو انسحاب بعض المنخرطين أو المؤسسين ذوي الخبرة.
و من أبرز عوامل تأخر المجتمع المدني وجود عدة معيقات خارجية، أهمها :
• العراقيل البيروقراطية منها على سبيل المثال : التأخر في الحصول على الاعتراف القانوني وكذا في الحصول على موافقة السلطات وقت تنظيم تظاهرات وفعاليات في الفضاء العام. وتعد هذه العراقيل تأكيدا ملموسا على أن مقتضيات دستور العام 2011 ، والمنظمة لعمل منظمات المجتمع المدني مازالت في حاجة ماسة إلى ترجمتها إلى ثقافة حقيقية بشأن حرية الجمعيات المدنية؛
• كثرة الجمعيات وتناسلها، وكذلك تشابه الأنشطة والأهداف نظرا لغياب التجديد والإبداع ؛
• كثرة الجمعيات الصورية ، والتي تسعى فقط إلى اقتسام أو كسب الدعم المالي فقط؛
• غياب دور الإعلام وتقصيره في مساندة الجمعيات، وكذا التعريف بدورها وأنشطتها التنموية، الشيء الذي يجعل تفاعلها مع الجمهور جد محدود؛
• ضعف التنسيق بين الجمعيات وغياب التعاون داخل الفضاء الجمعوي؛
• الطابع التدخلي للأحزاب والممارس على بعض الجمعيات، نظرا للارتباط بها إيديولوجيا أو تنظيميا مما يحد من فعاليتها ؛
• النزاعات المصلحية وضعف التواصل بين جمعيات المجتمع المدني الجمعوي والهيئات المنتخبة.
و يمكن اعتبار الجانب المالي أهم مشكل تعاني منه الجمعيات فقد سبق وصرح وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بأن أقل من 10% من الجمعيات يحصل على أكثر من 80% من أصل تسعة مليارات سنتيم تمنح للجمعيات سنويا, وأن أزيد من 97% من هذه الجمعيات لا يقدم أية وثيقة رسمية عن مصاريفه, أو أعماله, أو ما نفذه من مبادرات وأنشطة وبرامج وما سواها . يستفاد من هذا ان توزيع ما يخصص من المال العام لدعم هذه الجمعيات, لا يتم وفق معايير موضوعية , بل يتم وفق معايير أخرى, كالزبونية والمحسوبية والريع والولاء , إضافة إلى ان هذه الجمعيات في مأمن عن كل مراقبة, وأن ما تحصل عليه هذه الجمعية أو تلك, هو في المحصلة بمثابة مال عام تحول إلى مال خاص يتصرف فيه باسم الجمعية .
إن الجمعيات تعتمد على موارد مالية لمزاولة أنشطتها وتحقيق أهدافها، فنجد بعض الجمعيات تتوفر على مقرات وأجهزة خاصة ،غير أنها تشكل استثناء، ذلك أن جل الجمعيات تنشط بمقرات ومؤسسات تابعة للدولة وتستفيد من منح مادية هزيلة كما هو الشأن بالنسبة للجمعيات التربوية والرياضية والثقافية، التي تنشط بدور الشباب وهي مقرات تابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، ويمكن إجمال مصادر تمويل الجمعيات في أربعة مصادر وهي: التمويل الرسمي ويكون مصدره أحد مؤسسات الدولة وغالبا ما تكون الجماعات المحلية، العمالات، الوزارة الوصية، ثم بعض الصناديق للدعم والتنمية. والتمويل الذاتي وهو عبارة عن انخراط الأعضاء أو المستفيدين من أنشطتها، وقد يكون أيضا عائدات بعض مشاريعها، وهناك أيضا دعم المؤسسات الخاصة والشركات التجارية والمساهمة المادية لبعض الأفراد على شكل هبات، وأخيرا هناك التمويل الأجنبي الذي يكون من طرف بعض المنظمات الدولية أو تمويل من بعض الدول الأجنبية. غير أن هذه الموارد سواء كانت ذاتية أو خارجية تتسم بالمحدودية والضعف .
إن غياب الدعم المالي وهزالة المنح الممنوحة للجمعيات أو انعدامها في بعض الأحيان ينعكس بشكل سلبي على قدرة الجمعيات على تأهيل وتأطير المنخرطين فيها والرفع من مستواهم الإداري والفني وكذا التقني، كما أنه يحد من القيام أو التفكير في أي مبادرة تنموية سواء على المدى القريب أو البعيد.
ويمكننا القول على إنه بالرغم من وجود عدة عراقيل تعيق مسيرة العمل الجمعوي، فهذا لا ينكر وجود جمعيات لها حضور فعال وقوي ،استطاعت أن تتحدى جل الاكراهات الذاتية والموضوعية، وأن تشكل استثناءا في فضاء مليء بالصعوبات والتحديات، لذلك فمن المهم دعم مثل هذه الجمعيات والاستفادة من خبراتها لتأطير الجمعيات الأقل خبرة من أجل المساهمة في تحقيق الاهداف المرجوة. وعموما فإن منظمات المجتمع المدني تحتاج إلى الرفع من نسبة مشاركتها في الحياة السياسية بأشكالها المختلفة ومشاركتها في رسم السياسات العمومية وتعزيز مشاركتها في مواقع صنع القرار، وذلك من اجل تعزيز وضمان مجتمع الديمقراطية التشاركية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومن أجل تحقيق ذلك يجب على السلطة أن توفر لها الدعم المالي والمساندة القانونية الكفيلة للقيام بالأدوار الجديدة المنوطة بها.