تحل يومه 19 أكتوبر الجاري ذكرى عيد المولد النبوي الشريف ،وككل سنة تعرف مدينة مكناس ونواحيها إحياء هذه الذكرى العظيمة ،التي يتوافد عليها المئات من الاتباع والمريدين وغيرهم من المغرب ومن سائر اقطار البلدان المغاربية ، ومن بعض الدول الشقيقة والصديقة.
غير أن هذه السنة وكما كان عليه الحال في السنة الماضية ، تم إلغاء جميع الطقوس والمظاه الاحتفالية ،التي تقام عادة في جميع أضرحة وزوايا الأولياء والصالحين بإقليم مكناس ، بمناسبة حلول هذه ذكرى ،و ذلك راجع بالأساس إلى توخي الحيطة والحذر من تفشي فيروس كورونا، ، تزامنا مع الإجراءات الاحترازية التي تطبقها الدولة تفاديا للوقوع في ما لا يحد عقباه بوباء كورونا ،فكان الحل الأنجع هو الإلغاء الكلي لهذه الطقوس ، كإجراء وقائي احترازي حماية للأرواح ،وحصرا لانتشار الفيروس بين الزوار والمريدين وبين الطوائف العيساوية والحمدوشية التي تحج بكثافة لزيارة الضريحين.
وحسب المنظمين والمنتسبين لضريحي الشيخ الكامل الهادي بنعيسى بمكناس ( 1467 ـ 1526 م) ،وسيدي علي بنحمدوش بزرهون(وفاته سنة 1135 هجرية ) ، أكدوا إلغاء جميع المراسيم المعتادة ، الرسمية والشبه الرسمية والشعبية المصاحبة لتلك المناسبة الدينية ،التي اشتهرت بها المنطقتين على مر السنين ،في تقليد راسخ لا محيد عنه .
وأوضحوا أنه عادة ما يشهد الضريحين توافد العديد من الزوارعلى مدينة مكناس، ومدشر سيدي علي بنحمدوش بزرهون ( 20 كلم عن مكناس )، لحضور هذه الاحتفالات الدينية ، رفقة عائلاتهم وأقاربهم ،كما تستقطبان أعدادا كبيرة من المريدين والأتباع والمحبين، والضيوف القادمين من جميع جهات المغرب ،ومن دول إفريقيا والشرق الأوسط ،بالإضافة إلى السياح الأجانب وبعض القنوات التلفزية والإذاعية ، والمنابر الإعلامية الدولية والوطنية والجهوية والمحلية ، وعادة ما تشهد هذه الاحتفالات عدة أنشطة دينية ، تتخللها أجواء غرائبية ،إضافة إلى استعراض الطوائف العيساوية بمكناس ،والحمدوشية بسيدي علي ، يختلط فيها ما هو صوفي بما هو فلكلوري ،حيث يمتزج الذكر والنغم ،ويلتحم إيقاع الجذبة بنغمات الحضرة العيساوية بضريح بالشيخ الكامل، والحمدوشية في سيدي علي ،مع إقامة الولائم والذبائح ،وتدوم هذه الاحتفالات في العادة 7 أيام متتالية ،مما يساهم في الدفع بعجلة الاقتصاد المحلي ،حيث ترتف المبيعات الاستهلاكية ، والمنتوجات التقليدية المحلية ، بالإضافة إلى مداخيل بيع الأكباش والدواجن والشموع تهدى قربانا للضريح ،واستغلال دور الضيافة والمطاعم، والمقاهي ووسائل النقل ،وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية التي تدر دخلا لا بأس به على سكان المنطقتين الفقيرتين من حيث المداخبل. غير أن إلغاء هذه الاحتفالات بسبب الوضع الوبائي رغم الانفراج الحاصل هذه السنة بكلتا المنطقتين ، اللتين تستقطبان أكثر من مليوني زائر ،جعلتهما يعيشان أزمة اقتصادية خانقة لسنتين متتاليتين، يقول أحد المواطنين ،حيث وجد هؤلاء السكان أنفسهم في وضعية اقتصادية حرجة ،بعد أن خلطت جائحة كورونا حساباتهم ، فالحكومة اتخذت إجراءات حاسمة في سبيل احتواء انتشار الوباء ،لكنها أغفلت تعضيد الأسر في معيشتهم بهذه المناطق ، وخاصة في منطقة سيدي علي ، التي تعتبر منطقة ضعيفة من ناحية دخل الفرد ، ،وقلة الأشغال الفلاحية ، والعطالة الضاربة أطنابها في صفوف الشباب ،مما تولد عنه منحى تشاؤمي حاد داخل جميع الأسر بدون استثناء ، يضيف المتحدث ، ففي ظل تعليق هذه الاحتفالات ،وما يليها من تداعيات أثرت بشكل كبير على الحياة المعيشية لهؤلاء السكان ،وفي ظل الروح التضامنية التي تطبع هذه المرحلة الاستثنائية، فإنهم في حاجة ماسة إلى مساعدات مادية ،تلبي حاجياتهم الأساسية ،يمكن أن تقيهم وشبابهم العوز والتهميش والانحراف بكل تجلياته.