مستجدات

التربية والتعليم في المغرب في زمن كورونا و مجال الاختلاف التخصصي بين المصطلحين

[ALLNEWS]29 مايو 2021
التربية والتعليم في المغرب في زمن كورونا و مجال الاختلاف التخصصي بين المصطلحين

أصبح مصطلح التربية والتعليم ببلادنا في زمن كورونا يعرف خلطا صريحا لدى عامة الناس، واعتُبِر التقريب بينهما أمرا بديهيا ومسألة متداولة، نظرا للاختلاف التخصصي بينهما، وانتماء الطرف الأول إلى دائرة الأخلاق، والطرف الثاني إلى دائرة المهنة، واعتبر غالبية المهتمين، أن كل فعل تربوي يرتكز بالضرورة على تجربة تعليم معمق ومتدرج، وكل مرحلة تعليمية يمر بها الإنسان تفضي إلى امتلاك المرء لتربية متوازنة وعقلانية. وأن التعليم قد يعني عند فئة مثقفة، التكوين والتبليغ والتلقين وتصنيع الذكاء ، واكتساب الخبرة في مجال معين، أما التربية فهدفها الآداب والتنوير والتثقيف والصلاح، وتعني أيضا السمو الروحي والارتقاء الأخلاقي، والتحلي بالفضيلة والتسامح وحب الخير للغير، إذا لا مجال للخلط بين مصطلحي التربية والتعليم في زمان ومكان  الوباء التاجي حسب أهل التربية والتكوين.

فما مرد هذا الخلط بين التربية والتعليم في زمن تفشي فيروس كورونا المستجد عند البعض؟ وما هي الوسائل الكفيلة بالتمييز بينهما في هذه الفترة بالذات؟ وما المقصود بالتربية؟ وما هي مميزات التعليم؟ وكيف يتم تشخيص المسألة التعليمية ؟وكيف يُفسر الوضع التربوي اليوم؟ وهل يمكن الحديث عن أزمة حقيقية يمر بها هذا القطاع ؟ وما هي أسباب هذه الأزمة ؟ وهل يمكن تصور بدائل ومخرج منها تبعث على الأمل وتحفز نفوس الناشئة على الفعل وعلى الإبداع؟ وما العمل لكي تتفادى التربية السقوط في هاوية التقليد ، وإعادة إنتاج النظام القائم؟ وماذا يحتاج التعليم في الوقت الراهن، وبالضبط في زمن تفشي وباء كوفيد 19؟.

هل الأمر يتعلق بتطوير المناهج التربوية عن طريق علوم التربية؟، أم إبداع نمط دراسي آخر في حال استمرار الجائحة  ؟ وما هو تأثير الوضعية القائمة على هذا المجال ؟. وإلى أي مدى يتأثر الفعل التربوي بالتدافع الاجتماعي والمتطلبات الاقتصادية؟ وما السبيل إلى إحداث ثورة في قطاعي التربية والتعليم؟ ألا تقتضي المرحلة التمييز بين التعليم الحضوري، والتعلم عن بعد؟ وكيف يمكن العمل على خلق طريقة جديدة للتعلم الفردي، ويصبح الفضاء التربوي فرصة لتنمية المهارات وانخراط الطالب أو التلميذ في عالم مختلف؟

إن الأمر اليوم ليس هو إصلاح المنظومة التربوية وإيجاد حلول ترقيعية للتعليم ، يخدم نظام تربوي تعليمي خصوصي المزعم تقويته ، ويبشر بخياراته النفعية الربحية ، وإنما إعادة بناء المرجعية التربوية برمتها ، على أسس عليمة وموضوعية محايدة عن كل توظيف ،وبريئة من كل استغلال سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.

المراهنة على التعليم عن بعد

 التعليم عن بعد ليس وليد اليوم ، لقد كان سائدا في العديد من الدول ، وكان يسمى التعليم عن طريق المراسلة . ففي عام 1892م تأسست أول إدارة تعليمية بالمراسلة في شيكاغو، صارت أول جامعة تعتمد التعليم عن بعد، فكان الطلاب يتلقون الدروس عبر المراسلات ويرسلون واجباتهم الدراسية عبر البريد العادي، يصححها الأساتذة، ويعاد إرسالها إليهم ، ولا زال هذا النظام  التعليمي قائما حتى اليوم ، تخرج عنه مجموعة من العلماء والخبراء والأساتذة والمثقفون.

واليوم حل فيروس كورونا ووضع آلاف الطلاب والمدرسين ببلادنا  وجها لوجه أمام منظومة التعليم عن بعد ، وبطرق محتشمة ظهرت فجوات رقمية ،أهمها افتقار التلاميذ والطلبة  والمدرسين للعديد من المستلزمات والتجهيزات المتعلقة بتقنية التعليم عن بعد ، أضف إلى ذلك ضعف صبيب الإنترنت  في المدن وانعدامه في البوادي ، وهي مشكلات لا يمكن أن يحلها دور التلفزيون الغائب عند بعض الأسر في أعالي الجبال ، مع عدم توفر تجارب مسبقة لدى كل المتدخلين ، وظهرت مشاكل عدة عرت  المنظومة التعليمية برمتها ، وأصبحت بعض  الانتقادات والشكوك تساور المتتبعين لنمط هذا  النوع من التعليم  القديم الجديد ، وحول  تحقيقه الأهداف المرجوة من التربية والتعليم عن بعد، اللذان  يعدان  رهان حقيقي بالنسبة إلى كل الدول التي تنشد النهوض والتقدم ، وذلك لما يفضيان إليه من حسن تصرف في الموارد البشرية وتهيئة مدنية متبصرة لأجيال المستقبل ، من أجل أخذ المشعل وتحميلها مسؤولية تنظيم الشأن العام ، والارتقاء بالحياة المؤسساتية نحو الأفضل ، وتوفير أطر قادرة على تسيير شؤون المجتمعات.

فهل بمثل الاعتناء بالتعليم عن بعد يمكن مد جسر يوصل الأنظمة السياسية إلى الاستقرار الاجتماعي ؟، وذلك بتنوير الجموع وتثقيف الجماهير وتحسين وسائل الاتصال بالأشخاص، وقدرتهم على الإقناع والتسيير نحو احترام القوانين والتشريعات ، واستبطان جملة القيم الحداثية التي تسعى الدولة إلى غرسها في المجتمع المدني عبر مؤسساتها الثقافية.

إن الخروج من حالة التعليم الحضوري إلى حالة التعليم البعدي، ومن الحالة الطبيعية التي تتميز بالتلقائية واتباع الغريزة إلى الحالة التقنية الصرفة  ،يقتضي امتلاك العلم والفن والتقنية والتمرس على ذلك ضمن مؤسسات تعليمية متطورة ،ولذلك كانت التربية هي الموضوع المفضل ، وكان التعليم موجه بالأساس نحو الإنسان ،قاصدا إخراجه من التوحش إلى التآنس، وصناعة الذكاء واكتساب الوعي ، وفي نفس الوقت تدربانه على أن يكون حرا ومسؤولا ، وعلى امتلاك القيم الأخلاقية ، وجعل الحياة الاجتماعية التي ينخرط فيها حياة هادفة ، وذات غائية وقصدية نبيلة. فهل يحقق التعليم الفردي اليوم هذه المقومات الاجتماعية ؟

ولئن حاول المغرب بعد حصوله على الاستقلال المراهنة على هذا القطاع الاستراتيجي وقام بإصلاحات هيكلية في نظام التعليم ، وأرسا برامج متعددة لم تتخط في جوهرها المسالك الموازية والطرق التقليدية ، وكان الحصاد هو بقاء نسب الأمية مرتفعة وفقدان الكفاءات وتدني مستوى الثقافة والوعي لدى مجموعة من التلاميذ والطلاب.

لكن ألا يجب أن ننتقد بكل نزاهة وشفافية الحياة اليومية للمدرسة والتدريس، ووصف أزمة التعليم كما هي في الواقع ، دون أحكام مسبقة وحتى يتسنى لنا فهم الأزمة التي يعاني منها هذا القطاع؟

تشخيص الأزمة حاليا وما بعد الوباء

إن أسباب الأزمة عديدة حاليا وستستمر حتى بعد الوباء ولا يمكن حصرها فيما يلي:

ـ فراغ البرامج من المضامين والمبادئ المتوازنة التي تقدر على بناء مواطن متصالح مع ماضيه ومتطلع إلى المستقبل عبر قراءة نقدية لواقعه. ما يلاحظ اليوم هو تركيز مختلف البرامج المدرسة على الجانب الشكلي وإسقاط جملة من المقررات دون مراعاة خصوصية البيئة الاجتماعية والنسيج النفسي والثقافي الذي تتنزل فيه.

ـ فوضى القرارات التنظيمية وارتجالية التدابير، وضعف في المناهج والأسانيد البيداغوجية ، وغياب الرؤية الاستراتيجية والتخطيط العلمي ، والإبقاء على الطرق التقليدية التي تكرس نفس الذهنية وتشجع على الاتباع والتلقين.

ـ تدهور قيمي كبير وأزمة روحية وأخلاقية تظهر في بروز العنف اللفظي والبدني في الوسط التربوي، بين جميع مكونات العلمية التربوية وتوتر العلاقة بين المربين والتلاميذ والمشرفين.

ـ سلعنة التعليم وربطه بسوق الشغل واختزاله في عملية التكوين، وتفضي ظاهرة الدروس الخصوصية والتعويل على الحلول التسكينية لتحقيق أعلى نسب النجاح كميا دون مراعاة الكيف والدرجة.

ـ الوضعية الاجتماعية الصعبة للمربي وتشوه صورته في المجتمع، وتدهور طاقته الشرائية ومحدودية إمكانيته المادية ، مما يفتح الباب بالنسبة إليه لتقديم تنازلات على حساب آداب المهنة والتضحية برسالة العلم من أجل ضمان لقمة العيش.

ـ تراجع التعويل على اللغة العربية الفصحى وضعف الناشئة في مستوى تعلم اللغات الأجنبية، وميل المربين إلى استعمال اللهجات المحلية حرصا على التبليغ والإفهام.

ـ استخفاف بالمواد العلمية والأخلاقية والأدبية التي تمتلك تأثيرا مباشرا على شخصية التلميذ، وتشكل النواة الروحية التي يتغذى منها، وتحدد رؤيته الإجمالية للعالم ونذكر منها الإنسانيات وخاصة فيما يتعلق بالتفكير الديني والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والمدنية وغيرها.

علاوة على ذلك هناك تراجع في المردود وظهور بوادر أزمة خانقة في مستوى الجودة، وفي مجال الانقطاع المبكر عن الدراسة، وفي نسب معدلات النجاح وقيمة الشواهد العلمية بالمقارنة مع بقية بلدان العالم في ترتيب المؤسسات الجامعية على الصعيد الدولي، وتقلص نسب صناعة الذكاء وهجرة الطلبة إلى دول أخرى. فما هي أسباب تردي الوضعية التي تحيط بالعملية التربوية؟ ولماذا بات تعليمنا لا يخرج سوى الفاشلين العاطلين عن العمل؟ هذه بعض من مظاهر الأزمة التي تعصف بالتربية والتعليم، وذلك من خلال تشخيص جزئي. لكن ما الحل للخروج من هذا المستنقع ، ومواجهة تردي وضع التربية والتعليم خلال وبعد تفشي جائحة كورونا؟ .  

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي