قررت الجزائر تعليق علاقاتها القنصلية مع ثلاث محافظات فرنسية عقب ترحيل فرنسا لعدد من المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، الذين رفضت الجزائر استقبالهم، لتتم إعادتهم على الطائرات نفسها التي نقلتهم. هذا القرار عمّق الخلافات بين البلدين، والتي تصاعدت منذ الصيف الماضي بشكل غير مسبوق.
وبحسب ما كشفته المحطة الإذاعية الفرنسية «أوروبا 1»، فإن القنصليات الجزائرية في نيس، مونبلييه، ومرسيليا علّقت تعاونها القنصلي مع المحافظات التابعة لها، التي تضم عدداً كبيراً من الجزائريين، بمن فيهم مهاجرون غير نظاميين. ويترتب على هذا القرار تجميد الاستماع القنصلي للسجناء والمحتجزين الجزائريين في فرنسا، إضافة إلى وقف إصدار أي تصاريح قنصلية من هذه المدن حتى إشعار آخر. وتعدّ هذه القنصليات جزءاً من شبكة 18 قنصلية جزائرية في فرنسا، أبرزها قنصلية مرسيليا، التي لطالما كانت وجهة رئيسية للجزائريين الباحثين عن فرص عمل منذ الاستقلال عام 1962.
ورغم عدم صدور إعلان رسمي من السلطات الجزائرية بخصوص هذه الخطوة، إلا أنها تأتي كردّ فعل على ما تصفه الجزائر بسياسة «أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية»، التي أصدرتها الداخلية الفرنسية بحق عشرات الجزائريين، متهمة بعضهم بـ «التحريض على العنف» و*«المساس بالنظام العام»*. قبل تصاعد التوتر بين البلدين، كان التعاون القنصلي بين الجزائر وباريس يشمل عملية التحقق من هوية المهاجرين غير النظاميين غير الحاملين لجوازات سفر، إذ كانت القنصليات الجزائرية تصدر تصاريح ترحيل عند التأكد من جنسيتهم، ما يسهل على السلطات الفرنسية تنفيذ قرارات الإبعاد.
وفي عام 2021، انتقد وزير الداخلية الفرنسي الأسبق جيرالد دارمانان ما اعتبره «قلة تصاريح الإبعاد الصادرة عن القنصليات الجزائرية»، متهماً الجزائر بعدم التعاون الكافي في هذا المجال، في حين رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن الأرقام التي قدمها الوزير الفرنسي غير دقيقة، مؤكداً أن عدد المستهدفين بالترحيل لا يتجاوز بضعة عشرات وليس الآلاف كما تدّعي باريس. وأعقب ذلك ردّ فعل فرنسي تمثل في تقليص حصة الجزائر من التأشيرات إلى النصف، وهو الإجراء الذي شمل أيضاً المغرب وتونس.
تعليق العلاقات القنصلية أثار ردود فعل في فرنسا، حيث صرّح النائب الفرنسي إيريك سيوتي بأن «إعادة الجزائريين أصبحت الآن مستحيلة تماماً، بعد أن كانت صعبة في السابق». ويقود سيوتي، رئيس حزب «اتحاد اليمين الجمهوري»، حملة برلمانية لإلغاء اتفاقية الهجرة الموقعة مع الجزائر عام 1968، والتي يرى منتقدوها أنها تمنح الجزائريين امتيازات مقارنة بباقي الجنسيات. ورغم تصاعد هذه المطالب، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حسم الجدل، مؤكداً أن هذا الملف «ضمن صلاحياته الحصرية»، ومستبعداً إلغاء الاتفاقية التي ترفض الجزائر وصفها بأنها تفضيلية لرعاياها.
وتفجرت الأزمة بين البلدين في يناير 2025، عندما رفضت الجزائر استقبال المؤثر الجزائري «دوالمن»، الذي تتهمه فرنسا «بالتحريض على قتل معارضين للنظام الجزائري في فرنسا». أعقب ذلك ترحيل 23 جزائرياً آخرين، أعادتهم الجزائر إلى فرنسا فور وصولهم إلى مطاراتها، ما دفع باريس إلى تصعيد موقفها.
ورغم هذه التوترات، أكد وزير الخارجية الفرنسي، الثلاثاء، أن بلاده تسعى إلى «علاقات جيدة» مع الجزائر، معرباً عن أمله في أن «تبدأ السلطات الجزائرية مرحلة جديدة» في العلاقات الثنائية، عبر إيجاد حلول لقضية الهجرة غير النظامية.