الأوبئة كانت تنكسر حدتها عند حدود العالم الإسلامي
المغرب أنشأ المجلس الدولي للصحة سنة 1792 م
الحجر الصحي أو التباعد الاجتماعي أو العزل المنزلي ، الذي ُفرض في العديد من الدول ،عند انتشار الفيروس التاجي “كورونا” أو كوفيد19 ، ليس وليد اليوم ، فقد عرفه الإسلام منذ 14 قرنا، واتبعه المسلمون عند تفشي العديد من الأمراض والأوبئة.
والحجر الصحي المفروض اليوم ، والذي يعد من مبتكرات الطب الحديث ، فقد سبقه الإسلام بعد قرون،حيث لم يفت هذا الدين أن دعا إليه عند حدوث الوباء ،حتى لا تنتشر الأمراض المعدية بين الناس ، ويعتبر ذلك أعظم نظام في الطب الوقائي ، وأحسن وسيلة يلجأ إليها الإنسان للوقاية من الإمراض الوبائية المعدية ، وأنه على الرغم من عدم معرفة الأطباء العرب والمسلمين لعلم الجراثيم في ذلك الزمان ، فإن كتاباتهم عن أسباب الأمراض وانتقال العدوى تدل على أن لهم باع طويل في الملاحظة والتجربة والفهم الصحيح لجل الأوبئة ، التي مرت بالعالم الإسلامي،وأكدوا على أن النظافة الشخصية الجيدة والحجر الصحي ، هي أفضل الوسائل لتطويق انتشار أي وباء محتمل.
وأبرز العديد من الكتاب والمؤرخين ورجال الدين، أن الرسول (ص) أول من اقترح هذه الوسائل الوقائية من الوباء قبل 1400 عام ، واستشهدوا بما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة عن مبادىء الحجز الصحي بأوضح بيان، حيث جاء في صحيح البخاري ومسلم عن خديجة رضي الله عنها ، أن النبي( ص) في معرض حديثه عن الوباء قال :(إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ) ، وبهذا الحديث يكون حسب الفقهاء قد دخل في معرض قوله تعالى : (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا)، لذلك من لم يلتزم بالحجر الصحي مستهترا به، قد يكون سببا في نقل العدوى وتفشي المرض ، ويكون سببا في وفاة العديد من الناس ، وبذلك يدخل في قوله تعالى: ( فكأنما قتل الناس جميعا)، وجاء في حديث آخر : ( فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له ، إلا كان له مثل أجر شهيد).
وخلاصة القول أنه منذ قرون خلت ، حث الإسلام على الوقاية والأخذ بأسباب السلامة والصيانة والحصانة . وبحسب كتب التاريخ يظهر أن الأوبئة ضربت العديد من الدول منذ القدم ، وتقدمت العلوم واكتشفت العوالم الخفية، وتبين فيما بعد ، أن نظام الحجر الصحي صار عالميا اليوم، وكانت موجات الطاعون التي ضربت أوروبا في القرن 14 الميلادي قضت على ربع سكانها ، بينما كانت تنكسر حدتها عند حدود العالم الإسلامي ، حيث كانت الأوبئة الفتاكة والأمراض المعدية في العالم الإسلامي ، أقل بكثير منها في دول أوربا في نفس المرحلة ، وذلك كان تنفيذا لوصايا الرسول (ص ) في هذا الباب ، وهو الأمر الذي انتبه إليه علماء المعمور وتساءلوا عن السبب وقالوا : “من أطلع محمدا على هذه الحقيقة في ذلك الزمان ؟ وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب “. فكان الرد سريعا من طرف علماء الإسلام ،(إنه العلم الرباني ، والوحي الإلهي، الذي سبق هذه العلوم والمعارف، ليبقى هذا الدين شاهدا على البشرية في كل زمان ومكان ، ولتقوم به الحجة على العالمين).
كما تجدر الإشارة إلى أن الحديث النبوي نبه أيضا إلى المسافة التي يمكن أن تفصل بين شخصين المعتمدة في الوقت الحاضر، حيث جاءت في الحديث النبوي الشريف: (وكلم المجذوم بينك وبينه قدر رمح أو رمحين)، محددا بذلك المسافة بين الصحيح والمريض خشية العدوى.
وجاء في كتب التاريخ أن كلمة الحجز الصحي استعملت في العديد من الدول الأوربية ، حيث نهجت إيطاليا هذا الحجر لأول مرة ، فاستعملت الكلمة الانجليزية Quarantine مشتقة بالأصل من كلمة Quarantina الإيطالية ،والتي تعني 40 يوما ، التي كانت ولا تزال تعبيرا عن الحجر الصحي الذي يفرضه الأطباء على المرضى ، وقد اختاروا مدة 40 يوما تحديدا لرمزيتها الدينية لدى مسيحي القرون الوسطى ،على اعتقاد منهم أن يسوع صام 40 يوما عندما غمر الله الأرض بالماء ، لذلك انتقل مفهوم 40 يوما من التطهير إلى الممارسة الصحية ،وأصبح الحجر الصحي متداولا في جميع أقطار الدول الأوربية، وذلك من أجل حبس المسافرين من الدخول إلى الأراضي الموبوءة ،وأصبحت كلمة “الكرنتينة “عندهم تشتمل على مصلحة ومفسدة وصفت بها في ذلك الوقت ، ويأتي المعنى الأول ليدل على سلامة أهل البلد المستعملين لها من ضرر الوباء ، أما المفسدة فهي دنيوية ودينية ، فالدنيوية هي الإضرار بالتجار والمسافرين إلى الأقطار بحبسهم عن قضاء أغراضهم، وتعطيل مصالحهم على أبلغ الوجوه، أما الدينية فهي تشويش عقائد عوامل المؤمنين، والقدح في توكلهم وإيهام أن ذلك دافع لقضاء الله تعالى، وعاصم منه فيقعون في ضعف الإيمان.
كان هذا بالنسبة للدول الأوربية، أما بالنسبة للعالم الإسلامي ففي عامي 706 و707 هجرية ، قام الخليفة الأموي الوليد الأول ببناء أول مستشفى في دمشق، وأصدر أمرا بعزل المصابين بالجذام عن مرضى آخرين في المستشفى، كما يذكر أن العالم الإسلامي طبق الحجز الصحي المجتمعي في بعض الحالات ، حيث تم تطبيق هذا النوع من الحجر سنة 1838م من قبل السلطات العثمانية.