مستجدات

السقايات التقليدية بمدينة مكناس ..شموخ وتاريخ ومعمار أصيل

[ALLNEWS]2 يونيو 2021
السقايات التقليدية بمدينة مكناس ..شموخ وتاريخ ومعمار أصيل

يجب الحفاظ عليه وصيانته

لا يِسمح أي مواكب لحركة البحث التاريخي بمدينة مكناس ، إلا أن يقر بحقيقة تعدد المآثر التاريخية ضمنها السقايات العمومية ،غير أن أكثر من باحث عجز عن رسم صورة واضحة متكاملة المعالم عن هذه السقايات ،فزيادة على كون تلك البحوث عادة ما تفتقد لدراسات مجالية تاريخية ،فإن المعلومات التي أفرزتها تبقى متقاربة لا تستجيب لمتطلبات البحث التاريخي الصرف لهذه السقايات ، التي تختزن ما تبقى من آثار التاريخ .لذلك فصعوبة الإلمام بهذا الموضوع ن تعزى إلى ضآلة البحوث التاريخية ،وخاصة تلك التي تطرقت في محدوديتها إلى سقايات مدينة مكناس العتيقة.

إلا أنه لايمكن أن ننكر ما أفادت به بعض الكتب ، التي أتاحت الإحاطة بظروف بناء هذه السقايات ،وأصل تسميتها ، كما رسمت صورة تقريبية للهيأة المورفولوجية ، التي كانت توجد عليها ، وما توافر لها من مقومات حضارية .

وتفيد بعض المصادر ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن ” الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون ” وأتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مدينة مكناس ” ، بالإضافة إلى دراسة في التاريخ السياسي والعمراني ” مكناس من الـتأسيس إلى مطلع العصر الحديث ”  للأستاذ جمال الحيمر ، ومؤلف آخر للأستاذ مصطفى بنفايدة ” مكناس جولة في التاريخ والمعالم ” ، بعضها يؤكد أن أول سقاية أحدثت بالمدينة العتيقة يعود تاريخها إلى القرن 12 الميلادي ، خلال فترة الحكم الموحدي ،وكانت تسمى آنذاك بسقاية الشهود ، التي تقع بحي القرسطون أما م المسجد الأعظم ( الجامع الكبير حاليا ) ، أما إنشاء سقاية الصفارين يعود تاريخها إلى القرن 13 عصر المرينيين ، ويذكر أن عهد السلطان المريني عرف ازدهارا في بناء عدة سقايات بالمغرب .

و بحسب بعض المؤرخين فإن المدينة كانت تتوفر على حوالي 75 سقاية تقليدية وعصرية ، منها 32 سقاية توجد بالمدينة القديمة ، تميزت بزخاريفها ونسقها المعماري ، مما جعلها تعتبر جزء  لا يتجزأ من التراث المعماري العريق ، تؤرخ لحقب مختلفة من تاريخ المدينة الزاخر . كما أثارت بعض المصادر إلى أن هناك سقايات عريقة اندثرت بشكل كلي ، فيما لازالت أخرى قائمة إلى الآن، وهي اليوم تعرف بعض التراميم والإصلاحات ، في إطار برنامج تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لمكناس  بين (2019 ـ 2023 ) ،ا لذي يشمل حوالي 8 سقايات بتكلفة تصل إلى 2,5 مليون درهم .

وكانت هذه السقايات إلى عهد قريب تشكل ظاهرة اجتماعية ذات النفع العام ، منذ العهد الموحدي ( 541 ـ 668 ) والمريني ،وصولا إلى عهد الدولة العلوية الشريفة . غير أن بعضها طاله النسيان واندثر وتهد،م كسقاية الذهب قرب قنطرة دردورة ،ا لتي كانت في السابق تعرف بقنطرة ابن يشو .وكان السلطان المولى إسماعيل جعل لهذه السقايات وقفا حبوسيا ، تستغل مداخيله في العناية وإصلاح هذه السقايات ،ولم يبق منها حسب بعض المصادر إلا القليل ، كسقاية القرسطون ،وسقاية سيدي علي منون ، وسقاية التوتة ، وسقاية سبع عنابب ، التي بنيت في العصر المريني ،ا لتي وقف عليها أثناء بنائها السلطان المريني أبو الحسن ، حيث خصص لها وقفا محبسا ، وسقاية متحف دار الجامعي في بطحاء الهديم ، التي تم تجديدها في عهد المولى يوسف سنة 1332هجرية ، كما هو منقوش أعلاها ،بحيث كانت تحفة فنية يزينها الفسيفساء والزليج والرخام ، وكانت تباع مصورة على البطائق البريدية ،وتشكل عملا فنيا راقيا للمصورين والفوتوغرافيين،  والتشكيليين المغاربة والأجانب. ويحكى أن كل شخص جاء لجلب الماء منها وتكسرت آنيته ، يعوض عنها بأخرى من الوقف المحبس عليها .

ويذكر أن هذه السقايات كانت إلى عهد قريب تنتشر في جميع أحياء المدينة العتيقة ، تتدفق منها مياه الشرب القادمة من وادي بوفكران ، وعين تاكما العذب الرقراق مياهها صالحة  للشرب ، لكل عابر سبيل ، كما يستفاد منها بالمجان في نظافة البيوت  ، التي ليست فيها ماء والمحلات التجارية وسقي بعض الأغراس وتوريد الدواب .

لكن رغم الزخم التاريخي  والإنساني الذي تعرفه هذه السقايات لما تزخر به من رونق زخارف وفسيفساء ، ما أهلها للاعتراف بها كتراث عالمي من طرف منظمة اليونسكو بتاريخ 6 دجنبر سنة 1996 بمدينة كريدا بالمكسيك . ورغم توفير مجموعة من البرامج للعناية بها في أوقات سابقة ، بقيت هذه السقايات ولمدة طويلة تعيش حالة من الأهمال واللامبالات ،  من طرف عدة مجالس منتخبة سابقة ، منها من أصدر مذكرات مجحفة في حق 47 سقاية ، منها عشر سقاية بالمدينة القديمة تكتسي طابعا تاريخيا  ، كسقاية الهديم ، وباب عيسي،  والسرايرية ، ودرب الشرفاء ، وباب مولاي إسماعيل ، وسقاية سوق الحايك ، من أجل قطع الماء تحت دريعة محاربة تبذير الماء ، وهو ما أثار غضب السكان ، الأمر الذي زاد وضعها استفحالا ، حيث أصبحت مرتعا لرمي الأزبال والنفايات ، ولا ناهي ولا منتهي ، وبعضها أصيب بالخراب الجزئي، والبعض الآخر انمحى تماما ،أو تمت السيطرة عليه بدون موجب حق،  أمام أنظار كل المسؤولين آنذاك ( سقاية الشرشيرة بشارع السكاكين نموذجا التي عضوت بدكان يصل ثمنه حاليا إلى مئة مليون سنتيم أو أزيد).

لذلك فسكان العاصمة الإسماعيلية يتعشمون خيرا في الإصلاحات والترميمات الحالية ،وينتظرون إنهاء هذه الأشغال في أقرب الآجال، حتى تعود  هذه السقايات لرونقها وبهجتها ، مما يتطلب من هؤلاء السكان الحفاظ عليها وصيانتها ، اعتبارا لطابعها الفني الذي يؤسس لدولة عريقة ضاربة في عمق التراث المعماري والحضاري المغربي الأصيل .

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي