من يستحضر بعجالة الأحداث التاريخية التي طبعت العلاقة المغربية الجزائرية ، يلاحظ التوتر والخلاف والمواجهات العسكرية ، وفي أفضل الأحوال الفتور والهجوم المكثف على المغرب في المحافل الدولية من دون وجه حق .
بدأ الخلاف بين البلدين بعد نشوب حرب الرمال سنة 1963 ، وتعمقت الفجوة باندلاع الأحداث المسلحة بمولاي بوعزة (إقليم خنيفرة) سنة 1973، أفرزت توترا في العلاقة وإغلاق الحدود ، إلى أن انفرجت انفراجا مزيفا سنة 1974 على هامش القمة الإسلامية. لكن في سنة 1975 ، تم إغلاق الحدود من جديد إثر تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة وتحرير الصحراء المغربية ،بمبادرة من الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني ، وآلت الأمور إلى إغلاق الحدود من جديد في عهد الرئيس الجزائري الهواري بومدين بداية من سنة 1989، إلى أن التقى الملك الراحل مع الرئيس الشادلي بن جديد وتم فتح الحدود مرة أخرى .
عرفت العلاقة المغربية الجزائرية تجاذبا بين إغلاق الحدود وإعادة فتحها ، إلى أن تم إغلاقها بصفة دائمة سنة 1994 ، بعد تورط الجزائر في الأحداث الدامية الإرهابية التي كان فندق إسني بمراكش مسرحا لها.
و كان إصرار الجزائر على الاستمرار في سياستها العدائية اتجاه المغرب واتجاه قضاياه الحيوية ، بالرغم من اعتماد نماذج تجريبية مختلفة مع الجزائر، والمتجسدة في النموذج اليساري في الستينات والسبعينات ، والنموذج الإسلامي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين ، إلا أن هذه النماذج كلها لم تحقق أي انفراج في العلاقة مع الجارة ، بل ساهمت في تقوية الموقف العدائي للجزائر، وأيضا في زرع العديد من التنظيمات التكفيرية والجهادية والإرهابية والمتطرفة فوق التراب المغربي.
وبدعم من الجارة استمر الصراع بين المغرب وجبهة البوليزاريو ،التي تأسست في 27 فبراير 1976 المدعومة جزائريا تسليحا وتمويلا ودعما دبلوماسيا وإعلاميا ، وبقي هذا الصراع على أشده زهقت فيه أرواح بين الجانبين ، إلى غاية 6 شتنبر 1991 ، تاريخ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ، الذي سهرت على تطبيقه بعثة المينورسو إلى الوقت الحاضر، حيث دخلت قضية الصحراء المغربية منعطفا جديدا ، خصوصا ما تحقق من انتصارات على الصعيد الدولي ، الذي توج باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على كامل صحرائه ، بفضل السياسة الرشيدة لعاهل البلاد الملك محمد السادس .
إن الوضع اليوم من شأنه أن يجعل المغرب يسلك أسلوبا آخر أمام تمادي الجزائر في عدائها المتعدد الألوان والأساليب ، ومن فكرة أن مصير المغرب رهين بمصير صحرائه ، .فإن لحظة اليقظة دقت ناقوسها لتؤسس المملكة المغربية لقطيعة نهائيا مع الجزائر، ما دام أنها لازالت متمادية في غيها ، حيث لا شغل ولاشاغل لها سوى المغرب ، إذ تخرج للعلن من حين لآخر بالعديد من ردود فعل متعصبة ، سواء بإظهار خارطة المغرب ناقصة، أو بتدعيم مجموعة من الانفصاليين ، الذين اغتنوا على حساب ثروة المواطن الجزائري القابع في ردهات البطالة ، والذي لا يجد ما يسد به رمقه في غالب الأحيان ، رغم توفر البلاد على عائدات البترول.
فالمغرب لم يعد ذاك البلد الذي يراعي ظروف الغير ومشاكلهم ، ولا أن ينهج سياسة التجاهل، بل أصبح يملك دبلوماسية قوية قوامها الاعتماد على الاستباقية الهجومية ، من أجل الدفاع عن استقراره ويعرف كيف ومتى يظهر كفاءته وشراسته لا تقهر، فحذاري اللعب بالنار مع المغرب .