من مداخل النجاح التي من المفروض أن يركز عليها الفريق الحكومي الذي ستفرزه الاستحقاقات المقبلة، النهوض بقطاع التربية والتكوين، والتصدي لمختلف الصعويات والإكراهات التي تعترضه، وفي مقدمتها الوقاية من العنف المدرسي وإيقاف نزيف الهدر المدرسي….
صحيح أن المدرسة المغربية تمكنت من إحراز بعض التقدم، خاصة على مستوى تعميم الوصول إلى التعليم الأساسي، وتحسين تعليم الفتيات، لكن الجميع يدرك بأن منظومة التربوية والتكوين تشكو من صعوبات كبيرة وإكراهات بنيوية، عنوانها البارز غياب مدرسة عمومية للإنصاف والجودة، ويتجسد ذلك، بشكل صارخ، في الاختلالات العميقة بين المجالين القروي والحضري، والتفاوتات المتفاقمة بين الفئات الاجتماعية على صعيد الاستفادة من التعليم ، بالإضافة إلى ضعف المردودية وتراجع النتائج والأداء، بما يهدد المجتمع بتعطل أحد المحركات الأساس للتطور والرقي …
لا يجادل اثنان في كون ظاهرة العنف المدرسي أصبحت تؤرق الأسر المغربية والمنظومة التربوية والمجتمع ككل، فالدراسات والأبحاث بالرغم من قلتها تؤكد أن هذه الظاهرة تفاقمت داخل المؤسسات التعليمية خلال العشرين سنة الماضية، وهو الأمر الذي شدد عليه التشخيص الذي تم بمناسبة إعداد البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم خلال الفترة ما بين 2008 و2012 ،
كما أشارت إليه أيضا الرؤية الاستراتيجية( 2015-2030 )، التي جددت التنبيه إلى الصعوبات البارزة في النظام التعليمي بشكل عام والتعليم الأساسي بشكل خاص، والمتمثلة في المغادرة المبكرة للفصول الدراسية وارتفاع معدلات الرسوب والتكرار ، واكتظاظ الفصول ونقص الموارد البشرية من المعلمين والموظفين الإداريين والذي يؤثر سلبا عملية تعميم التعليم، إلى جانب المعضلة المجتمعية المتعلقة بانخفاض الجودة وتقهقر نتائج التعلم.
وتؤكد الدراسات أن حالات العنف المدرسي تتوزع بنسب متفاوتة بين تلك التي تقع داخل المؤسسات التعليمية، وتلك التي تحدث في محيطها، كما أن نسبة كبيرة من هذا العنف التي تصل إلى حوالي الثلثين، تحصل بين التلاميذ أنفسهم، في حين أن النسبة المتبقية تحصل في حق الأطر التربوية من طرف التلاميذ، أو من طرف أشخاص غرباء عن المؤسسات التعليمية.
والواقع أن ظاهرة العنف المدرسي ،ليست مجرد موضوع عرضي قد يختفي بين الفينة والأخرى، ولكنه يعتبر مشكلا معقدا، يتفاقم سنة بعد أخرى، وخطرا حقيقيا يهدد المجتمع على المدى المتوسط والبعيد في حالة استمر الوضع على ما هو عليه ، لذلك تقضي الضرورة أن توليه الدولة ما يستحقه من أهمية، وأن تجعله ضمن الأولويات في إطار برامجها واختياراتها الاجتماعية والاقتصادية، وألا يحصر في بعدها الأمني…
ولا شك أن الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها فئة عريضة من الأطفال والشباب تعتبر من العوامل التي تجعل ظاهرة العنف المدرسي تتفاقم، ذلك أن استمرار انتشار الفقر والهشاشة والمشاكل الأسرية وانخراط هؤلاء في عالم الانترنيت دون قيود أو ضوابط وفي غياب أي « نظام للتصفية » كما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة، تؤثر سلبا على التنشئة السليمة للأطفال والشباب، وقد تتسب في تعرضهم لمخاطر الانخراف والتعاطي للمخدرات والكحول وتبني السلوكات العنيفة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، وربما الانخراط في العصابات الإجارمية والتنظيمات الإرهابية وغيرها…
إن معالجة ظاهرة العنف المدرسي كما هو شأن الهدر المدرسي تستوجب تبني سياسة عمومية شاملة في هذا المجال، ويجب أن تكون هذه السياسة العمومية محددة الأهداف لمحاصرة الظاهرة والحد من تداعياتها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، ومن أجل تحقيق ذلك لابد أولا ،من إيجاد إجابات واضحة على الأسئلة التالية:
– ما هو التشخيص الواقعي للوضيعة الراهنة المتعلقة بالعنف داخل المدرسة المغربية؟ وما هي طبيعة تداعياته النفسية والاجتماعية والاقتصادية ؟
– ما هي السياسة العمومية الأكثر نجاعة في قطاع التربية والتكوين، لمكافحة العنف المدرسي، في تقاطع مع مختلف السياسات العمومية للقطاعات الأخرى ، خاصة تلك التي تهم العدل والداخلية والتضامن والأسرة والشباب والرياضة والثقافة والإعلام ؟
– ماهو حجم ظاهرة العنف المدرسي داخل المجتمع؟ ، وماهي الفئات الاجتماعية الأكثر عرضة لخطر العنف المدرسي؟ …
– من هم الفاعلون في مجال السياسة العمومية الموجهة لمكافحة العنف المدرسي ؟
إن السياسة العمومية المنشود في هذا المجال، تستوجب إشراك جميع المتدخلين في العملية التربوية، في مقدمتهم الأطر التربوية والتلاميذ والطلبة والمخططين من أجل تحديد الأساليب التي سيتم اعتمادها لبلورة التخطيط التربوي القادر على منع العنف، عبر مراجعة البرامج وطرق التدريس، وزيادة الوعي والوقاية من خلال تنويع وتوسيع الأنشطة الثقافية والرياضية الموازية التي تعزز قيم ومواقف التسامح والتضامن والتعاون ، وبالتالي المساهمة في تقوية الدور الإدماجي للأطفال والشباب في النسيج الاجتماعي…
إن جزء كبيرا من الحل لمختلف القضايا والإشكالات المتعلقة بالتربية والتكوين، في إطار السياسة العمومية التي يمكن اعتمادها خلال الولاية الحكومية المقبلة، يكمن في توفير السبل الكفيلة بمكافحة الفشل المدرسي، والتصدي لظاهرة العنف المدرسي، وتوفير التعليم الجيد والآفاق الإيجابية للشباب ، لا سيما من خلال توفير سلاسل التدريب المهني المستمر القادر على استيعاب المنقطعين عن الدراسة لأسباب مختلفة…