في مستهل كلمته عبر الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية السيد محمد عبد النباوي، بمناسبة الملتقى الثالث للعدالة المنظم يوم الخميس 11 نونبر 2021 بمدينة العيون ،عبر عن مشاعر الفخر بتواجده في هذا الجزء الغالي من الوطن لا توصف. وعبارات الامتنان لأجل إشراك المجلس الأعلى للسلطة القضائية في فعاليات هذا الملتقى الثالث للعدالة بالعيون، لا توفي هذا الحدث الهام حقه مهما أفاضت. فالزمان والمكان يعكسان أجواء الفرحة والازدهار. الفرحة بأعياد الوحدة وجمع الشمل التي يعيشها المغاربة كلما حلت ذكرى المسيرة الخضراء. والتي ترتبط هذه السنة برهان انتصار روح الديمقراطية والشفافية التي مرت فيها الاستحقاقات الانتخابية ببلادنا. والازدهار المنشود من وراء تنزيل البرامج التنموية الكبرى ومواصلة مسيرة التنمية. كما أكد ويؤكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله بنصره وتمكينه في كل مناسبة.
وأبرز في كلمته أن الحكمة الملكية الرشيدة شاءت أن دشين المرحلة اللاحقة بتفعيل النموذج التنموي الجديد، الذي عهد جلالته بوضعه إلى لجنة خاصة. والذي استهدف وضع المغرب على مسار التقدم وتلبية الاحتياجات المتنامية للمواطنين، عبر إطلاق جيل جديد من المشاريع والإصلاحات المندمجة التي تجعل المواطن في صلب اهتمامها.
و أشار إلى أنه في هذا الإطار اعتُبِرَت العدالة محوراً أساسياً من محاور تقرير النموذج التنموي الجديد. وقد ارتبط هدف إيجاد عدالة في خدمة المواطن، حسب التقرير المعد من طرف اللجنة الخاصة، بضرورة استيعاب الفاعلين في مجال العدالة والمواطنين لمضامين دستور 2011.
وأوضع أن تقرير النموذج التنموي الجديد وضع يده على مجموعة من العوائق، تحول دون الوصول إلى نموذج العدالة الذي تصبو إليه بلادنا. وتمحورت التوصيات المرتبطة بها أساسا، حول تعزيز الحقوق والحريات، وتحسين آليات التنسيق الداخلي فيما بين الفاعلين والمتدخلين في مجال العدالة والعمل في انسجام وشفافية بينها.
كما أكد على أهمية تحسين الأداء، والتقليص من بطء العدالة وتسريع وثيرتها، والرفع من قدرتها على تنفيذ أحكامها. بالإضافة إلى تخليق منظومة العدالة على جميع مستوياتها. وفي هذا الإطار تستعد السلطة القضائية للمساهمة في عدة أوراش مشتركة مع وزارة العدل، بدعم يُشكَر من أجله السيد وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي. وتستهدف هذه الأوراش، استكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية ودعم مؤسساتها بالوسائل القانونية والمادية والبشرية اللازمة لحسن سيرها. وبما يسمح بتحقيق عدالة حامية للحقوق والحريات والممتلكات، تكون مصدر ثقة وأمان للجميع. كما يطمح لذلك تقرير النموذج التنموي الجديد.
وبالنسبة لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، أوضح أنه حقق خطوات كثيرة في مسار بناء هيكلته، بما يساعده على الاضطلاع بمهامه الأساسية في تدبير الوضعية المهنية للقضاة، وفي تفعيل مدونة الأخلاقيات القضائية. وهو ما أدى إلى حصول قفزة نوعية في تحسين الوعي الجماعي للقاضيات والقضاة بأهمية الأخلاق القضائية. كما تجسّد من خلال تدبير مختلف مراحل الانتخابات المهنية للقضاة التي جرت مؤخراً. والتي تميزت بالتزام جميع مكونات الأسرة القضائية بالواجبات القانونية والضوابط الأخلاقية.
وبخصوص المرحلة المستقبلية للمجلس، أبان بإن المجلس سيسعى خلال المرحلة المقبلة إلى استكمال هيكلته من أجل الاضطلاع بالمهام القضائية المتعلقة بالولوج إلى العدالة، التي كشف عنها قرار المحكمة الدستورية عدد 89/19 بتاريخ 8 فبراير 2019 المتعلق بقانون التنظيم القضائي. وكذلك من أجل المساهمة في تدبير برامج النجاعة القضائية، التي تتطلبها التدابير التي سيحرص المجلس بتنسيق وتعاون مع شركائه في مجال العدالة ولا سيما وزارة العدل وهيئات الدفاع والمهن القضائية الأخرى، على وضعها وتنفيذها من أجل الوفاء بالتزاماته المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد.
وأردف قائلا، بأن الارتقاء بالأداء القضائي وتسريع وثيرة البت في القضايا، والذي يدخل في صلب أهداف النموذج التنموي الجديد، رهين بالانتقال من محكمة تقليدية إلى محكمة إلكترونية، عبر اعتماد نظام معلوماتي خاص بالقضايا المعروضة على المحاكم، تتم عن طريقه رقمنة الإجراءات المتعلقة بتجهيز الملفات وتبادل الوثائق والمذكرات والأحكام، وتبليغ الطيات والاستدعاءات والشواهد الإدارية والقضائية، وتنظيم المحاكمة عن بعد، ونشر المقررات القضائية لإضفاء الشفافية على العمل القضائي. مع ما يتطلبه ذلك من مواكبة تشريعية. وهي الآليات الضرورية لتقليص آجال البت والقضاء على تراكم القضايا داخل المحاكم، وتحسين الجودة النوعية للأحكام، وضمان نجاعة قضائية تجمع بين السرعة والجودة، وتتحقق معها العدالة الناجزة المبتغاة.
كما أنه أغتنم هذه المناسبة للتنويه بالمجهودات التي قامت بها وزارة العدل في هذا المجال. وكذلك للثناء على المبادرات التشاركية التي أعلن عنها السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي عبر منذ الأيام الأولى لتقلده لمهامه عن إرادة حقيقية لربح رهان رقمنة العدالة. مؤكدا انخراط الجميع في هذا الورش والدعم والساندة للمشاركة فيه.
وعن نجاح المشروع المجتمعي قال عنه، إذا لم يكن العنصر البشري جوهره ونواته. وقد توقف تقرير النموذج التنموي الجديد في توصياته عند ضرورة الرفع من مستوى التكوين وتطوير الكفاءات المهنية للقضاة. وذلك من خلال تنويع قنوات التوظيف وتكثيف التعاون الثنائي والاستفادة من دورات تكوينية لدى المؤسسات الدولية.
وفي هذا الإطار، أشار إلى أن السلطة القضائية بكل مكوناتها، عمدت إلى تنويع برامج التكوين المستمر الذي توفره للقضاة ، بما يضمن توسيع مداركهم في المواد التي يمارسونها. كما كان الشأن خلال هذه السنة بالنسبة لحقوق الإنسان وغسل الأموال والمادة التجارية وغيرها من المواضيع. غير أن التكوين بأنواعه الأساسي والمستمر والتخصصي، ما زال في حاجة إلى إيلائه العناية التي يستحقها والتي لن تتحقق إلا مع صدور القانون المتعلق بالمعهد العالي للقضاء إلى حيز الوجود، وفق المنظور الذي جاء بميثاق إصلاح منظومة العدالة. ولذلك يأمل أن يكون هذا القانون من أولويات اهتمام السيد وزير العدل، بالنظر لأهمية تكوين القضاة بالنسبة لتحقيق منظور النموذج التنموي الجديد، وبالنظر كذلك لضرورة إشراف السلطة القضائية على تكوين القضاة تكويناً أساسيا أو متخصصا أو في إطار التكوين المستمر.
وبخصوص تفعيل مدونة الأخلاقيات القضائية، أكد أن التخليق هو دعامة أساسية لسيادة القانون ولاستقلال القضاء ونزاهته، كما جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد، باعتباره المدخل الحقيقي لتخليق الحياة العامة، وتطهير الأجواء وملاءمتها للرقي بالعدالة إلى مستوى التطلعات، فقد شرع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة في تفعيل مدونة الأخلاقيات القضائية. وتم تنظيم ندوة أولى في الموضوع. كما أن لجنة الأخلاقيات بالمجلس تعكف حاليا على وضع برنامج شامل لعملها بتنسيق مع مستشاري الأخلاقيات وهم المسؤولون القضائيون عن محاكم الاستئناف بالمملكة، وذلك من أجل جعل قواعد السلوك المضمنة في مدونة الأخلاقيات آلية للرقابة الذاتية بالنسبة للقاضي. الذي يتعين عليه الحرص على تطابق سلوكه مع تلك القواعد والأخلاقيات المقررة بها. وذلك بالإضافة إلى حرص المجلس على الاضطلاع بدوره كاملاً في مجال التأديب والتأطير.
وفي ختام حديثه تطرق إلى المحور الذي اختاره المنظمون لهذا اللقاء المبارك ليُنم عن الوعي العام الذي أصبح يحرك الجميع للرفع من أداء العدالة عبر التعاون المثمر والحوار البناء بين مكونات السلطة القضائية وباقي الفاعلين في مجال العدالة. كما نوه بالمجهودات التي قام بها نقيب هياة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، وشكر الجميع على هذه المبادرات المتواصلة والحفاوة الأخوية التي يحظى بها على الدوام، وجدد التأكيد على البقاء أوفياء للتعاون والحوار وإبداع الحلول المنسجمة مع روح ومضامين النموذج التنموي الجديد الجديرة بمغربنا وبطموح ملكنا، ومن أجل تحقيق شعار “العدالة في خدمة المواطن”.