تعميما للفائدة نستأذن الدكتور خال فتحي وندرج مقاله هذا الذي دونه على حسابه الفايسبوكي :
لم يكن قرار الحكومة اعتماد جواز التلقيح لولوج الأماكن العامة مفاجئا، ثمة مؤشرات كثيرة كانت تدل على أنه قادم لا محالة. فلقد سبقتنا الى الإجراء دول عديدة من ضمنها فرنسا ، ودول أخرى ذات ديمقراطية عريقة. ولذلك كان واضحا منذ شهرين على الأقل أننا سنسلك نفس الطريق، لأننا وببساطة نواجه كلنا نفس الفيروس .
الوزارة الوصية نفسها فضلت أن لا تنهج أسلوب الصدمة، قد مهدت للقرار بفيديوهات على صفحاتها التواصلية تروج من خلالها للجواز بوصفه ضرورة للحياة الطبيعية، وبوصفه أنه سيصبح كل شيء، أعضاء اللجنة العلمية خرجوا أيضا بتصريحات تفيد أنهم تداولوا في الموضوع ،وأنهم تدبروه، واقتنعوا بضرورة فرض الجواز، وكذلك فعل خالد آيت الطالب الذي ما إن استعاد زمام وزارة الصحة مضافة اليها الحماية الاجتماعية حتى عقد جلسة عمل لمناقشة امتناع فئات من المغاربة عن التطعيم، تمخضت عن دورية تدعو المدراء الجهويين للصحة من ضمن ما تدعوهم إليه الإقناع بأهمية اعتماد جواز التلقيح في مجالهم الجغرافي. لقد ظهر واضحا أن الوزير وجد الحل في جواز التلقيح ، لدفع المترددين والممتنعين إلى مراكز التلقيح المبثوثة على مدى الوطن، وعددهم يناهز 5،5 مليون مواطنا، ولذلك ليس صحيحا ما يدعيه البعض أنه أخذ على حين غرة، ما يعزز فرضية أن جواز اللقاح كان مرشحا إلى أن يصبح واقعا يؤثث نمط العيش في عهد كورونا، هو أن الدولة قد صارت الآن في أريحية من أمرها، المغرب اكتسب خبرة في تدبير الجائحة، و عاد لا يشكو ندرة اللقاحات ،عرضه منها كاف ومتنوع جدا ،والإمدادات لا تنفك تتقاطر عليه، وتصنيع اللقاح محليا صار وشيكا جدا .بل إن الدولة مرت إلى اعتماد الجرعة الثالثة لمواطنيها، وبالتالي شرعت في الدورة الثانية لحملة التمنيع، بينما يتخلف و يكابر بعض المواطنين في ولوج الدورة الأولى لها .فما أصعب أن تتحمل الدولة وزر متقاعسين عن حماية انفسهم و حماية غيرهم، وقد بذلت هي كل ما في جهدها لتوعيتهم وتمنيعهم وتحقيق خلاصهم من الجائحة.
الدولة بهذا الجواز ، على عكس ما يدفع به هؤلاء المتقاعسون لا تمنح امتيازات للملقحين، بل هي تعيد لهم حقوقا سلبها منهم كوفيد 19.ولا عذر لمن تخلفوا عمدا أو تفلسفا عن تلقي جرعتي اللقاح. لقد كان من الممكن أن نتفهم ذاك التردد وحتى ذاك التشكيك مع بداية ظهور اللقاحات، خصوصا وأن البيانات حولها كانت شحيحة آنذاك، وكمياتها كانت قليلة جدا بالكاد يتهافت عليها الاغنياء، ولكن الآن، وفي سبتمبر2021 ،لم يعد هذا السلوك مقبولا خصوصا بعد أن ثبت أن كل اللقاحات آمنة، فعالة، لا تأثيرات جانبية خطيرة لها، وفوائدها تفوق مخاطرها، نحترم بطبيعة الحال رأي من يناهض جواز التلقيح، رغم أنه في الحقيقة يناهض بهذا الموقف التلقيح بحد ذاته، تلك كما يقول هو حريته الفردية، لكننا نهمس له أن حريته لا يمكن أن تعتدي على حرية الآخرين. إن السؤال الجوهري الواجب طرحه هو: هل يجب ان تتحمل الأغلبية من الراغبين في التلقيح عواقب المرض ؟،و تتحمل المنظومة الصحية والمجتمع الوباء بكل تداعياته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي نعرفها جميعا، فقط، لأن أقلية لا تريد التلقيح حماية للآخرين. الآن إمكانية التلقيح متوفرة للجميع ومجانا، ولذلك صار من حق الدولة أن تفرض في الأماكن العامة جواز التلقيح، تلك حريتها هي أيضا كراعية للصالح العام وكمجسدة للإرادة العامة، فالحكومة وليدة البرلمان، الذي هو بدوره ينوب عن الأمة.
دعونا نقول، إن الرافضين للجواز يتوزعون على كل دول العالم ولم يخل منهم أي وسط من الأوساط بما في ذلك الوسط العلمي، وحتى الوسط الطبي، هذا يدفعنا إلى أن لا نجور على مترددينا ،إلى محاورتهم، والى عدم وصمهم، فالمغرب ينهج لحد الآن، وربما سيظل كذلك دائما سياسة الإقناع عوض مقاربة الإجبار، هو يعول على ضمير المواطن ومواطنته، وعلى حملات التحسيس والتوعية لاستقطاب هؤلاء المتوارين وراء الأفكار المغلوطة والاعتقادات الواهية، سيقولون- ولربما قد قالوا -إن الجواز تراجع عن مبدأ الاختيارية، وأنه ديكتاتورية صحية أو تحكم صحي، التفاف على الحرية الفردية المقدسة، تقسيم للمجتمع الى ملقحين ينعمون بحقوق المواطنة وغير ملقحين تخلى عنهم الوطن، وحتى إذا خفت حدة نبرتهم، سيدفعون بأن الجواز هو مناورة واحتيال لفرض اللقاح ،هم في كل هذا يتدرعون بمبدأ الحرية الخالص، لكنهم لا ينتبهون إلى تهافت كل هذه الأطروحات: ففي البداية ،كان اللقاح نادرا، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون اختياريا تفعيلا لمبدأ الحرية، لكن عندما يتجاوز عدد الملقحين نصف المجتمع، وهذا هو وضع المغرب المناعي الآن، وتقرر الأغلبية اعتماد جواز التلقيح فإنها تؤسس لذلك بتفعيل قيمة الديمقراطية. ثم لنتفق أنه حتى إذا كان اللقاح له علاقة فقط بجسد وحياة الشخص المعني، فإنه في تلك الحالة لا يمكن إجباره ولا عدم احترام إرادته في رفض الخضوع للتطعيم، تلك بالطبع حريته في التصرف بجسده. ولكن الواضح الآن أن اللقاح له علاقة وتأثير على أجساد وحياة الآخرين، وبما أننا لا نملك أجساد وأرواح الآخرين، فإنه لاحق لنا في أن نرفض التلقيح، أو على الأقل لاحق لنا أن ننتقد حق الآخرين في اعتماد جواز التلقيح. الملقحون كغير الملقحين يصابون بالعدوى، لكن غير الملقح يصاب أكثر بالحالات الوخيمة، وينشر أكثر العدوى لأن حمولته من الفيروس هي الأكثر. علينا كمغاربة أن نعي أنه في حالتنا ليس في الأمر سر أو معجزة، لقد كان من حسن حظنا فقط أن اللقاح وصل المملكة قبل وصول متحور دلتا، فلولا النظرة الاستباقية لجلالة الملك محمد السادس، لما تجنبنا السيناريوهات الكارثية التي كنا مرشحين لها.
ولكن نعود لنتساءل مع الرافضين للجواز، من حق الدولة في زمن الديمقراطية أن تفرض الجواز أو اللقاح دون أن يعتبر ذلك منها استبدادا وتعسفا في حق فئة من رعاياها؟؟. الجواب يقتضي منا أن نلاحظ أن غير الملقح أصبح في حالة هجوم وتربص بالملقح في المجتمعات التي تقترب من المناعة الطبيعية، وعدم تدخل الدولة واعتمادها للجواز، سيكون تشجيعا منها للعودة إلى مجتمع الطبيعة وإن بشكل آخر، وسيكون تخليا منها عن دورها في حماية المواطنين من بعضهم البعض، هذه الحماية التي هذا أساس تنازلهم الأول حين إنشائهم لهذه الدولة وتعاقدهم الاجتماعي معها.
كثيرة هي الأدلة على أن اعتماد الجواز مؤسس أخلاقيا، وفلسفيا، بل وحتى واقعيا، فكورونا ليست أول لقاح يتم فرضه في التاريخ ،كلنا يلقح ضد السل في شهره الأول، ويدلي أبواه بهذه الشهادة للتقييد في سجل الحالة المدنية، وكلنا ينضبط حين السفر ويلتزم باللقاحات التي تفرضها بعض الدول لدخول أراضيها دون مقاومة او معارضة، علينا أولا كسكان لهذا العالم وقعوا في ورطة كورونا، أن نشكر الأقدار وبعدها العلماء، الذين طوروا لقاحات كورونا في ظرف قياسي في الوقت الذي لا زالت فيه أمراض خطيرة كالسيدا مثلا لا تجد لها لقاحا، يجب أن لا نستخف بهذا الإنجاز العلمي غير المسبوق ،و أن لا نضيعه بسبب نقاشات بيزنطية سفسطائية يقودها من تعشش في عقولهم نظريات المؤامرة، ومن يبحثون عن الإثارة والبوز، وأن نثق في العلم ، ولا نصغي لمن لا يعرف، فقديما قد قيل لو صمت من لا يعرف لقل الخلاف.
لقد برهن المغرب أنه كان في مستوى تحدي الجائحة خصوصا في الجانب المتعلق بتوفير اللقاح بالمجان في ظرفية دولية صعبة تميزت بالصراع حول اللقاح واحتكاره من طرف الدول المصنعة، نجح المغرب إذن في الوقت الذي اخفقت فيه دول متقدمة.
ولذا على المغاربة أن يروا على جانبهم الشعوب التي لم تجد لللقاح سبيلا، ويقدروا هذا الامتياز ،و يتجاوبوا معه كما أشار لذلك الملك محمد السادس في خطابه الافتتاحي للسنة التشريعية من خلال حماية انفسهم على الأقل.
يجب علينا إذن أن نعمل حريتنا بشكل جماعي لأجل التلقيح. فالتلقيح هو الطريق الوحيد لكي نضمن عدم العودة لإجراءات تقيد الحرية، التلقيح وجواز التلقيح لا ينتهكان الحرية، بل يعيدانها إلينا بعد أن سلبها منا الوباء. ويجب أن لا ننس أن كل تأخر في التلقيح يؤدي لمتحورات جديدة قد تكون أفتك وأشرس من أخواتها وأكثر مقاومة لللقاحات. إذن فالممتنعون والمتخلفون عن التلقيح، والرافضون لجواز التلقيح ليسوا في النهاية إلا السلسلة الضعيفة في حلقة مقاومتنا لكورونا، فقد يتسببون بسلوكهم في ضياع كل المجهودات خصوصا ونحن جميعا في مركب واحد. فهل من آذان صاغية؟؟؟ا
الدكتور خالد فتحي