منعطف تاريخي يعود بحلول 18 نونبر ذكرى عيد الاستقلال المجيد ، وهي محطة من المحطات النضالية التاريخية التي حقق فيها الشعب المغربي استقلال البلاد ،حيث تخلص من الاستعمارين الفرنسي والإسباني سنة 1956 أي بعد مرور 65 سنة على الاستقلال المغرب، حيث لازال هذا اليوم يشكل حدثا تاريخيا ووطنيا يحتفل به المغاربة كل سنة، وتلقى فيه الخطب، والكلمات والندوات والمحاضرات على امتداد ربوع الوطن، لما يحمله الحدث من معاني سياسية، ودينية، واجتماعية، واقتصادية مترسخة في الذاكرة الوطنية المغربية.
ابتلي المغرب بالاحتلال الأجنبي سنة 1912، نزل المحتل بثقله ومصائبه، فاستطاع الاستيلاء على البلاد، ورقاب العباد، ولكن لم تمض سوى سنوات قليلة حتى شعر المغاربة بخزي الموقف، وفطنوا إلى ما يحاك ضدهم، فأصبحوا يفكرون في كيفية مقاومة المستعمر وزعزعته والرمي به إلى مستقره.
هؤلاء الوطنيون كانوا تواقين إلى مغرب حر، تراودهم آنذاك آمال شتى، وتتناسق في حياتهم صور للمغرب المستقل وتمر في أذهانهم كل التحديات لبناء الوطن.
من أجل ذلك قام هؤلاء وطالبوا باستقلال المغرب عبر توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال التي باركها آنذاك جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله تراه، فلم تكن هذه الوثيقة مجرد رسالة تطالب المستعمر الفرنسي، والمجتمع الدولي بحث المغرب في استقلاله، وحريته، بل كانت أرضية سياسية التقى حولها الذين وقعوها لبناء الوطن المستقل بتشريعاته، ومؤسساته، وآماله، ولم يكن الهدف منها هو الاستقلال الجغرافي فقط، وإن كان هو الأسمى بل كانت هناك آمال كبيرة تراود الوطنيين آنذاك، ومعهم جموع المواطنين، من الحرية إلى العدالة، مرورا بالكرامة والتقدم والمساواة.
لذلك لم تكن الوثيقة مجرد حبر على ورق، وقع عليها زعماء الحركة الوطنية، من قادتها، وعلمائها، ومثقفيها، وسياسيها بل كانت تحولا كبيرا في مشروع الحركة الوطنية الذي انتقل من المطالبة بإصلاحات وحقوق في إطار الحماية، إلى المطالبة بجلاء الفرنسيين، وتحقيق الاستقلال التام للبلاد، تؤطره رؤية مستقبلية، تحدد معالم الوطن، التي كانت ترنو إليه جموع المغاربة قاطبة، وكانت الوثيقة بمثابة خارطة طريق لهذه الرؤية المستقبلية، كما كانت تمثل تحولات في النضال الوطني ضد التبعية والتخلف.
لقد وقع على هذه الوثيقة رجال مناضلون منهم من قضى نحبه في أوائل الاستقلال، ولم يكتب له أن عاش لحظة الاستقلال، ومنهم من عايشها، وقد تحققت فيها معالم الوطن الذي كان يصبو إليه، ومنهم من ذهب يحمل غصة وخيبة أمل في تحقيق آمال المواطنين. خيبة أمل كرسها واقع يشكو من التراجع المتتالي لكل ما هو إيجابي، والتوسع المتناهي لكل ما هو سلبي وفاسد، دفعت المجتمع المغربي إلى إنشاء جمعيات وهيئات حقوقية لمحاربة الفساد المستشري بكل تجلياته، وفي جميع القطاعات (الصحة – العدل – التعليم – الثقافة – الرياضة) واللائحة طويلة.
إن الأمر ليس حنينا ماضويا كما قد يفهم، ولكنها مساءلة جوهرية عن معنى الاستقلال، ومفهوم التطور الحق، فهل فهم جيل اليوم رسالة جيل الأمس؟ جيل أيام الاستعمار، وهل بينهما من ترابط والامتداد ما يجعلهما يساهمان في بناء مغرب ديمقراطي؟
إن مشروع الاستقلال مشروع لازال مفتوحا، وهو ورش دائم تتوارث الأجيال تبعاته، وتضحياته من أجل إعادة الاعتبار للدور الرسالي الإنساني المغربي، لممارسة إشعاعه من جديد جهويا، وإقليميا، ومحليا، ووطنيا، ودوليا.
لذلك فإن البلاد في حاجة إلى توقيع وثيقة جديدة تنبذ كل أنواع الاستغلال الفاحش لثروات البلاد، والنهب والرشوة، واستغلال النفوذ، والبطالة، وقهر الضعفاء بالزيادة في كل شيء حتى في سن التقاعد، والبقية آتية لا محالة. لذلك يجب على الحكومة الحالية أن تؤمن بالله واليوم الآخر، وأن تفكر مليا في المواطن المقهور، وأن تتقي الله في البلاد والعباد، وتعيد لهذه الأمة الدفء الاجتماعي، وتحد من هذا الجليد القارس الذي قد يجتاح العلاقات ويدمرها. وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي أملتها جائحة كورونا وأضرت باقتصاد البلاد والعباد ، وزادت من تأزم الوضع والحالة الاجتماعية للمواطنين ،فهل الحكومة الجديدة قادرة على إعادة للمواطن كرامته أم يبقى الشعب ينتظر عودة غودو كما هو الشأن في السنوات العجاف الماضية ؟.