تلقى حزب العدالة والتنمية المغربي (قائد التحالف الحكومي المنتهية ولايته) هزيمة غير متوقعة في الانتخابات التشريعية بعدما حل ثامنا بـ 13 مقعدا فقط بعد أن كان يمتلك 125 في انتخابات 2016.
وبحسب بعض المتتبعين يعيش الحزب ذو المرجعية الإسلامية على وقع الصدمة من النتائج المفاجئة ، التي لم يكن يتوقعها بعدما ظل الخبراء يرشحونه للمنافسة بقوة على الصدارة.
ومثلت الانتخابات البرلمانية التي جرت الأربعاء، تراجعا مدويا للعدالة والتنمية ، بعد فقدانه 112 مقعدا ،مقابل صعود حزب “التجمع الوطني للأحرار” الليبرالي الذي نجح في إزاحته من الصدارة بعد فوزه بـ 102 مقعدا.
ولفت متابعون للمشهد السياسي في المغرب ، إلى أن نتائج “العدالة والتنمية” أعادته للحجم الذي كان عليه قبل ربع قرن، حيث حصل في انتخابات 1997 البرلمانية على 9 مقاعد، قبل أن يحصد 3 في إعادة الانتخابات بعدد من الدوائر.
ويرتقب أن يخلف التراجع الكبير تداعيات مؤثرة داخل بيت الحزب الإسلامي، الذي دخل في دوامة لا متناهية منذ إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله بن كيران من تشكيل الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له.
يرى أحمد بوز أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس (حكومية)، أن “توجهات وقرارات حزب العدالة والتنمية خلال المرحلة السابقة هي من تسببت في انهياره في الانتخابات”.
ويقول بوز، للأناضول: “هناك عدة عوامل متعددة ومتداخلة أبرزها تلك القرارات ، التي اتخذها الحزب أثناء رئاسته الحكومة إضافة إلى عوامل ذاتية داخلية ساهمت في هذا الانهيار”.
ويوضح أن “قيام العدالة والتنمية بتبني عدد من القوانين والقرارات القاسية ، ضد الطبقة المتوسطة كالقرار المتعلق برفع سن التقاعد، إضافة إلى قرارات أخرى، ساهم بشكل كبير في ضرب شعبية الحزب داخل هذه الفئة ، التي امتنعت عن التصويت له في هذه الانتخابات”.
ويضيف بوز أن “هشاشة وضعف المنجزات الحكومية بعد 10 سنوات ، أوصل العدالة والتنمية إلى حالة الانهيار غير المسبوق التي مني بها في هذه الانتخابات”.
وكان المحلل السياسي المغربي عمر الشرقاوي، قال في حديث سابق مع الأناضول في معرض تعليقه على تراجع نتائج الحزب في الانتخابات المهنية: “لأول مرة يشهد منحنى حزب العدالة والتنمية تراجعا بعدما عرف صعودا خلال انتخابات 2016.
وأوضح الشرقاوي، الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمدينة المحمدية، أن أولى المؤشرات تتعلق بعدد الترشيحات التي عرفت تراجعا بالنسبة للحزب ، مقابل ارتفاعها لدى أحزاب أخرى، خصوصا حزب التجمع الوطني للأحرار.
وتابع: “التجمع تقدم بنحو 26 ألف ترشيح بالانتخابات التشريعية والبلدية مقابل 9 آلاف للعدالة والتنمية”.
وأضاف: “كلما ارتفع عدد الترشيحات ارتفعت أسهم النجاح في الانتخابات، خصوصا أن عدد المصوتين في الانتخابات البلدية سيؤثر إيجابا على الانتخابات التشريعية”.
وأوضح الشرقاوي أن طبيعة مرشحي “العدالة والتنمية” لن تساير الانتخابات، باستثناء النواة الصلبة للحزب، حيث إن الأخير “تقدم بأسماء مغمورة”.
وتبقى الأسباب التي أدت بحزب العدالة والتنمية إلى هذا التراجع المدوي، متعددة من أبرزها، بحسب المراقبين تعديل القاسم الانتخابي واحتسابه على أساس المسجلين، والإشكاليات التي راكمها الحزب على مستوى تدبيره للحكومة لولايتين متتاليتين ، كأول حزب سياسي يحظى بها في تاريخ البلاد.
وبحسب الشرقاوي، فإن النظام الانتخابي سيؤثر على جميع الأحزاب، بما فيها البيجيدي (يطلق على العدالة والتنمية اختصارا).
وفي 6 مارس الماضي، أقر مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) مشروع القانون التنظيمي للمجلس، نص على تعديل طريقة حساب “القاسم الانتخابي” الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية، بعد الاقتراع.
ووفق التعديل يتم قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدل عدد الأصوات الصحيحة وهو ما حدث في انتخابات الأربعاء.
واعتبر آخرون أن من أسباب تراجع الحزب غياب بنكيران عن المشهد القيادي، بسبب الخلاف مع العثماني، وفريق الأمانة العامة حول عدد من القضايا، بينها اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس.
ويقول بوز، إن الحزب “ظهر خلال هذه المرحلة دون كاريزما سياسية، حيث لم يستطع العثماني أن يغطي الفراغ الذي ملأه سلفه بنكيران من ناحية الكاريزما”.
ويضيف: “صحيح أن نجاح الحزب في الدورتين السابقين ارتبط بمناخ تلك الانتخابات وبالتنظيم المحكم للحزب، لكنه ارتبط أيضا بالصورة التي كونها والتي سوقها بنكيران من خلال شخصيته المثيرة للانتباه في الحياة السياسية المغربية”.
إلى جانب، ذلك يعتبر بوز، أن “الخلافات التنظيمية الداخلية التي ظهرت منذ تنحية بنكيران عن رئاسة الحكومة والتي استمرت إلى مرحلة اختيار المرشحين للانتخابات الحالية، ساهمت بدورها في خسارة الحزب”.
ويزيد أن “هذه الخلافات وعدم الرضى عن توجهات وقرارات قيادة الحزب يمكن القول بأنها دفعت البعض إلى معاقبته انتخابيا”.
ويدور الحديث في الصالونات السياسية والجلسات الاجتماعية ، أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل الذي وقعه العثماني بصفته رئيسا للحكومة، وجه ضربة أوجعت الحزب وأثرت على شعبيته.
إذ فقد الحزب بسبب ذلك الكثير من أتباعه والمتعاطفين معه الذين اعتبروا الخطوة “انقلابا” على ثوابته ومرجعيته، ولم تفلح التبريرات التي ساقها في إقناعهم بالموقف الجديد.
وبهذا الصدد يقول بوز، إن “فئة واسعة من الشعب المغربي أصبحت لديها قناعة بأن الحزب لدية ازدواجية في الخطاب ، من خلال الشعارات الرنانة التي كان يتبناها والممارسات التي جاءت مناقضة لهذه الشعارات”.
ويضيف أن “هذه القناعة تعززت لدى الأوساط الشعبية بشكل خاص، بعد توقيع العثماني اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل مطلع العام الجاري”.
وذهب فريق آخر إلى أن الدعم الباهت الذي قدمته حركة “التوحيد والإصلاح” الذراع الدعوية لحزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات الحالية، أحد عوامل الهزيمة التي مني بها، إذ ستكون الشراكة القائمة بين الهيئتين في المستقبل محط مراجعة ، وإعادة نظر قد تدفعهما لفك الارتباط بشكل نهائي بينهما.
وستتجه الأنظار في قادم الأيام بشكل أساسي إلى كيفية تعامل قيادة حزب “العدالة والتنمية” مع النتائج المخيبة، وما سيعلنه العثماني وأمانته العامة من مواقف ونقد ذاتي للسنوات الخمس الماضية، قد تكون الاستقالة أحد السيناريوهات المطروحة لحفظ ماء الوجه أمام الأعضاء والمناضلين.
وسيكون الحزب أمام امتحان صعب في إعادة بناء نفسه ، من خلال صفوف المعارضة التي باتت الملجأ الأخير في رحلة البحث عن موطئ قدم في الخريطة السياسية للبلاد ، التي قادها منذ أحداث “الربيع العربي” التي شهدتها المنطقة عام 2011.
وبعد انتخابات المغرب، تكون تجربة الإسلام السياسي في المنطقة العربية قد خسرت آخر مواقعها ، التي صمدت وسط إعصار الثورة المضادة بالمنطقة، التي سعت جاهدة لإفشالهم وإسقاط تجاربهم سواء بالقوة أو بالانتخابات..الأناضول