إن الحديث عن يوم عاشوراء هو استحضار لليوم العاشر من شهر محرم ، الذي يشكل حلول السنة الهجرية ، وإبراز التقاليد والعادات ذات طبيعة احتفالية ، تتمثل في قيام الأطفال بإضرام النيران في الأخشاب وأغصان الأشجار يتم الالتفاف حولها مستعملين الدفوف والتعاريج.
وهي مناسبة لإحياء شخصية “بابا عشور” ، وإقامة مهرجان مائي يطلق عليه المغاربة (التزمزيمة) يستمر طيلة اليوم العاشر من محرم ، ليتحول إلى مطاردات في الدروب والأزقة تنتهي بمشاجرات ، وفي المساء تجتمع الأسرة حول وجبة الكسكس المهيأ بالقديد ، الذي يتم تخزينه من لحم أضحية عيد الأضحى.
وتشكل عاشوراء أيضا مناسبة للتعبد والصيام وإخراج الزكاة ، وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين فيما يعرف ب”العاشور” ، وهي مناسبة للتجار في جمع حساباتهم وإخراج الزكاة في حدود عشر الأرباح ، وفرصة أيضا لهم في ترويج سلعهم بأسعار منخفضة طمعا في تشجيع الزبناء على الشراء. وهذا يطبق إلا ناذرا .
ويعتبر ” حق بابا عاشور ” من أهم التقاليد في عاشوراء حيث يتجسد في ارتداء الأطفال الأقنعة والأزياء التنكرية ، يستجدون بها الحلوى والفواكه الجافة وحتى النقود وذلك بطرق أبواب البيوت.
وتختلف الاحتفالات بعاشوراء في البوادي عن حاضرة المدن ، حيث أنه في الأرياف المغربية يظل الماء يكتسي صبغة القدسية حيث يرش به الغنم والبقر والحبوب المخزنة وجرار الزيت والسمن ، إيمانا منهم بأن كل ما يرش بالماء في هذا اليوم ينمو ويبارك الله فيه .
ويعقب يوم عاشوراء في المغرب يوم “الهبا والربا” في الأسواق ويعرفها المغاربة بليلة “الشعالة” حيث يتم اشتعال نيران ضخمة وهو تقليد موغل في التاريخ.
وبالرجوع إلى المصادر التاريخية، يستشف أن سبب احتفال المغاربة بعاشوراء مرده إلى ثلاثة أمور، أولها إنهاء عادة كتابية إذ أن اليهود وبني إسرائيل كانوا يحتفلون بيوم نجاة النبي موسى عليه السلام من فرعون.
وثانيها أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رأى احتفال اليهود بيوم عاشوراء وصيامهم له تخليدا لذكرى نجاة النبي موسى فاعتبر عليه السلام حسب ما رواه البخاري ومسلم بأحقية المسلمين في شكر الله على معجزة نجاة النبي موسى.
فذكرى عاشوراء لها حمولة قدسية لدرجة مثيرة في تراث الشعوب السامية على اختلاف أعراقها وخلفياتها الدينية ، فهو تخليد لعدة أحداث تاريخية من توبة آدم من خطيئته الكبرى، إلى نجاة نوح من الطوفان إلى عودة يوسف إلى أبيه الكفيف ، إلى خروج يونس من بطن الحوت ،إلى خروج موسى بشعبه من بلاد مصر، إلى مقتل الحسن على يد الشمر في واقعة “الكربلاء ” المشهورة. فاحتفال المغاربة بهذا اليوم هو احتفال شعبي تمزج فيه الصفة الدينية بالطقوس الموروثة عن أسلافهم ، والتي لها تأثير على ذاكرتهم التراثية.