مستجدات

مكناس بلد 138 وليا وضريحا: لكل ضريح قصصه وكراماته التي تتجاوز في معظمها حدود المنطق

[ALLNEWS]16 يوليو 2021
مكناس بلد 138 وليا وضريحا: لكل ضريح قصصه وكراماته التي تتجاوز في معظمها حدود المنطق

تحتل الأضرحة  بالعاصمة الإسماعيلية مكناس ،مكانة متميزة ،في الثقافة الشعبية ،لدى جزء مهم من سكان المدينة ،حيث يقبل معظمهم على زيارة هذه الأضرحة ،والتبرك بها في المناسبات الدينية وفي غيرها ،وفي اعتقادهم أنها سوف تساعدهم على قضاء حوائجهم ،وتفرج كربتهم ،وتنجيهم من شظف العيش ،وتشفيهم من الأمراض النفسية وغيرها ،ومنهم من يزورها منشدا الاستقرار والسعادة والاطمئنان ،والرضا عن الذات وواقع الحياة ،غير مفرطين في الدين الإسلامي بأصوله وتاريخه ،وسيرورته الحضارية .

وليس دور الأضرحة والأولياء والصالحين في الجهاد ضد المستعمر ،وإصلاح البلاد والعباد في زمانهم بغريب عن المغاربة ،ولا يمكن إنكار الدور الذي قام به أغلبهم من أجل تربية الأجيال ،وتهذيب الأخلاق ،وفي ذلك فوائد لا تخفى على اللبيب .وقد حجة الإسلام الغزالي في” الإحيا ء” ، والقاضي عياض في ” المدارك “وغيرهما عن سفيان الثوري أنه قال :”عند ذكر الأولياء والصالحين تنزل الرحمة ” ،وجاء في كتاب الله  : “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” .

والموضوع هذا أريد به التعريف  بهؤلاء الأولياء والصالحين بمدينة مكناس ،فالانتقاد ليس من أهل الورع والإنصاف ،والخطاب الديني مناوئ للتبرك والتوسل إليهم طلبا لقضاء الحاجة .

وبحسب الدارسين للعلوم الدينية ،فإن هذه الأضرحة والزوايا ،احتضنت عقد الأشعري ،وفقه ابن مالك، والطرق الصوفية ، وفيها صنفت أمهات الكتب في إشعاع الفكر، والدين، والثقافة، والسياسة، ونسجت حولها وحول رجالاتها حكايات وأساطير وروايات ،لازالت تروى إلى اليوم ،تركزت في المخيال الشعبي، حيث تركت بصمات واضحة على العقلية الجماعية المغربية، ويبقى لكل ضريح وولي قصصه وكراماته تجاوزت في معظمها حدود المنطق. إضافة إلى ما تركه الأولياء والصالحون الحقيقيون والمزيفون، في نفوس العامة من تأثير كبير، تجلى في الكثير من المعتقدات والممارسات، وطبعت العقلية آنذاك  بالخرافات والتشبث بمن يدعي الكرامات أو الشعوذة، والخوارق، فأقبل عليهم الناس وتبركوا بهم  في حياتهم وبعد مماتهم، وبينت عليهم الأضرحة،  ورفعت القباب، حتى أصبح من الصعب الإتيان بقاعدة مصنفة لمعرفة من هو الولي، وأين دفن؟

ومجمل القول إن بعض هؤلاء الأولياء والصالحين منحت لهم صفة ولي في عهد ما،  لكونه كان عالما، صالحا مؤمنا، تقيا، وآخر لمهارة خاصة اشتهر بها، والأغلبية كانوا حمقى وبلهاء، وبعضهم محتالون، والناس كونوا فكرة غريبة عن” المجاذيب” الذين  وضعوهم في مرتبة الأولياء الصالحين يقدسونهم، لذلك نرى أنه عند وفاة أحدهم يبنى له ضريح، ويصبح من الأولياء والصالحين ،يتبركون به في جميع أفراحهم وأثراهم، وهذا ما جعل الأجيال الحاضرة لازالت عالقة بأذهانها بصمات من هذا الفكر الخرافي، والجهل بتاريخ المغرب الحقيقي والموضوعي.

ومجمل القول أن هذه الأضرحة تشكل مظهرا دينيا واجتماعيا واقتصاديا قد تكون مثالا للتعايش والتقارب والتعارف والتوادد، وأصبحت تستقطب العديد من الزوار والمريدين والأتباع ،من أقطار شمال إفريقيا في مناسبات دينية عديدة. لذلك فالمغرب يزخر بالعديد من الأضرحة والأولياء حتى أصبح ينعت ببلد “مئة ألف ضريح”، وقد ازداد وتكاثر عددها  يقول محمد جنبوبي في كتابه “الأولياء في المغرب”  خاصة بين القرن 16م و17م ،مما دفع بعض ملوك المغرب إلى تقليص عددها ،رغم أنها كانت تلعب دورا كبيرا في مقاومة المستعمر الأجنبي.

ومدينة مكناس من خلال تقييد المؤرخ الدكتور إدريس أبو إدريس في كتاب “دراسات في تاريخ مدينة مكناس” يمكن الخروج باستنباط أولي هو أن مكناس مدينة الأولياء بامتياز نظرا لكثرة الأولياء والصالحين فيها. والتي هي مجتمعة في مكان واحد، أو متقاربة، مثلا حول الشيخ الكامل فلو بقيت كل الأضرحة قائمة البناء لشكلت لوحدها مدينة صغيرة من الأضرحة، والتي قالت عنها بعض كتب التاريخ أنها بلغت في مجموعها 99 بيتا وضريحا مقيدا، أما غير المقيد منها جاء في تراجم أخرى (ابن غازي – ابن زيدان – القادري) أن عددها 38، منهم 13  ضريح لنساء صالحات وواليات. إلى أن بلغ مجموع الأولياء في التقييدين 138 ولي وولية، ويمكن تقسيم مناطق تواجدهم من خلال كتاب “أبو إدريس”، ففي منطقة الشيخ الكامل هناك 22 وليا، وبمنطقة وجه عروس وقصبة سيدي سعيد 8 أخرى، وبأبي العمائر (باب بوعماير) 5 أضرحة، وحول ضريح المولى إسماعيل 9، وداخل المدينة 27، وأولياء أطراف المدينة 17، والبعض الآخر غير محدد مكانهم وعددههم37، إضافة إلى 13 والية لم يتطرق لهن تقييد الخزانة الحسنية وهن: عائشة عدوية – بنت سيدي أبي عياد – رقية الكريم – الحامضيت – العلمية – عودة – بصرية – رحمة قزبوه – عائشة البوجنانية – بهر – يرونة – شنهول (عائشة) – أم الخير. وبذلك تكون مدينة مكناس بهذا العدد من الأولياء  أي 138 تحتل المرتبة الثانية بعد منطقة تادلة التي تعرف ببلد 300 ولي.

ومن خلال هذا التقييم يظهر أن الذين اكتسبوا شهرة كبيرة متمركزين في محيط الشيخ الكامل، وفي وجه عروس، حيث تعدد وفود الزيارات والتبرك. ومنهم من له موسم خاص به تتوافد عليه الركبان من مناطق بعيدة من المغرب وخارجة أمثال الشيخ الكامل، وعبد الرحمن القرني، وسيدي علي منصور، وسيدي بوزكري، وسيدي مسعود أركاوا، وسيدي سعيد. أما داخل المدينة فرغم كثرة الأولياء، إلا أن شهرتهم محدودة وأغلبهم دفنوا في مساجد تقام فيها الصلوات الخمس، أوفي مساجد هجرت وأصبحت مقابر، أو داخل مباني مغلقة ،أو تحولت إلى كتاتيب. وبعضهم طوى النسيان ذكرهم ومكانهم وآخرون وقف المؤرخون عند إشكالية تحديد هويتهم. ومدى إدخالهم في زمرة الأولياء والصالحين.

وخلاصة القول، اتفق المؤرخون أن من بين أولياء مدينة مكناس هناك المتصوف، والعالم، والفقيه، والقاضي الذي تجاوز إشعاعه الحدود، واستضاء به العلماء وكان مفيدا للمسترشدين ،ومنهم كذلك الأمي، والجاهل ذو الأصل العربي أو الأمازيغي، المدني، والريفي، المتبرك به، والمنسي المجهول. من له حفدة، ومن انقطع خبره، من عرف بكراماته، أو لم يعرف بها، أو الولي الفعلي صاحب البركة الموجود والمتخيل، من بني عليه ضريح أو حوشا في الخلاء، ومنهم الشريف والعامي، وابن البلد أو الوافد.

لذلك يرى بعض المؤرخين أن العمل على إحياء ذكر هؤلاء الأولياء ومناقبهم ليكونوا عبرة وقدوة للأجيال الحاضرة والقادمة. لتظهر لأي حد كانت رجالات المغرب السالفة تحتفي بأوليائها وصلحائها، وذوي الشأن فيها، ولئن الإسلام يضع قيودا صارمة على زيارة الأضرحة، ويحرم طلب الدعاء من الأولياء، فإن العادة الموروثة عن الأجداد مازالت تحكم قبضتها على العديد الذين يزورونها، والتمسح بها، وحمل ترابها وذبح الذبائح، وتقبيلها، ، وتعليق الآمال عليها والتوسل لقضاء حوائجهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا إذا زرنا مقابر المسلمين نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة.

هوامش: ابن زيدان، الأتحاف – ابن إبراهيم، الأعلام – الدكتور إدريس أبو أدريس، دراسة في تاريخ مدينة مكناس – كتاب علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم. هوامش: ابن زيدان، الأتحاف – ابن إبراهيم، الأعلام – الدكتور إدريس أبو أدريس، دراسة في تاريخ مدينة مكناس – كتاب علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم.

الاخبار العاجلة
error: تحذير: المحتوى محمي